ولم يجر ذكر هنا لبنى إسرائيل ، وإنما جىء بضمير الغيبة عنهم بدلا منهم ، إشعارا لما كان عليه القوم من عناد ، وخلاف ، ومكر بآيات الله ، حتى لكأنهم ـ وهم يسمعون آيات الله ، ويرون المعجزات التي يطلع بها عليهم موسى ـ غائبون غير حاضرين ، لما فى قلوبهم من قسوة ، وما فى طبائعهم من التواء.
قوله تعالى :
(وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ) هو معطوف على قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) .. أي آتينا موسى الكتاب ، وجعلنا ابن مريم وأمّه آية .. لبنى إسرائيل لعلهم يهتدون ، وذلك أن عيسى عليهالسلام هو رسول إلى بنى إسرائيل ، وآية من آيات الله فيهم .. وتلك الآيات القاهرة المتتابعة ، هى مظاهرة لحجة الله على هؤلاء القوم ، حتى إذا لم يستجيبوا لها ، كان العذاب الواقع بهم أضعافا مضاعفة ، لما يحلّ بغيرهم من عباد الله.
وفى الإشارة إلى عيسى عليهالسلام بقوله تعالى : (ابْنَ مَرْيَمَ) إشارة إلى النسب الصحيح له .. وهو أنه ابن أمّه مريم .. وليس ابن إله كما يدّعى النّصارى ، ولا ابن زنا كما يفترى اليهود .. «إنه ابن مريم»!
وقد اختلف فى الربوة ـ وهى المكان المرتفع من الأرض ـ التي آوى الله سبحانه وتعالى ، إليها ابن مريم وأمّه .. والراجح عندنا أنها مصر .. التي جاء إليها المسيح طفلا محمولا على صدر أمه ، مع زوجها يوسف النّجار .. وذلك حين أوحى الله إلى مريم أن تهرب بوليدها إلى مصر ، خوفا عليه من الحاكم الرومانى ، الذي طلبه ليقتله ، حين سمع بمولده .. كما يحدّث بذلك إنجيل متّى.