أخطأهم كله أو بعضه ، أفلت من أيديهم هذا السرّ ، الذي يفتحون به مغالق الحياة ، ويذللون به ما تأبّى عليهم منها ..
فالحق ، هو هذا المحيط العام الذي تصب فيه روافد الحقائق التي يقوم عليها نظام الوجود ، والموجودات جميعا ..
ـ وفى قوله تعالى : (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ).
إشارة إلى أن أىّ اختلال يدخل على الحق ، فى أي موقع من مواقعه ، وفى أي ذرة من ذرات الوجود كله ، من شأنه أن يفسد نظام هذا الوجود فى أرضه وسمائه ، وفيما فى أرضه وسمائه ..
ذلك أن الحق ـ كما قلنا ـ كيان واحد .. إنه أسباب ومسببات يأخذ بعضها برقاب بعض .. من الذرة إلى النجوم والكواكب .. فكل سبب يقوم على سبب ، ويقوم عليه سبب ، وهكذا فى سلسلة متصلة الحلقات ، وقطع أي حلقة ، هو قطع لهذا الشريان ، الذي يغذى كيان الحق ، ويحكم نسجه ..
فلو أنه دخل على الحق ، بعض ما فى نفوس هؤلاء المشركين من هوى وضلال ، ثم صار هذا الهوى قوة عاملة فى الوجود ، لأدخل الخلل على نظام الوجود كله ، ولفسدت السموات والأرض ومن فيهن!!
قوله تعالى :
ـ (بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ).
أي أن الحق لم يتبع أهواء هؤلاء المشركين ، ولم يجئهم الرسول بما تشتهى أنفسهم ، بل جاءهم بالحق ، الذي فيه ذكرهم .. أي رفع قدرهم ، وعلوّ إنسانيتهم ، لو أنهم اتبعوه ، واستقاموا عليه ..