وهؤلاء المشركون. قد أخذهم الله بالبأساء والضّراء ، وأنزلهم منازل الخزي فى بدر ، والأحزاب والحديبية .. ثم الفتح .. ومع هذا ، فإن هذا البلاء لم يفتح قلوبهم إلى الله ، ولم يقدهم بنواصيهم إليه : (فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ) أي فما لجأوا إليه ، ولا ضرعوا له ، ولا طلبوا غوثه ورحمته .. وهذا مثل قوله تعالى فى فرعون : (وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) (١٣٠ : الأعراف)
وقد جاء الإخبار عن هذا الذي نزل بالقوم من بلاء ، بصيغة الماضي. على حين أنه لم يكن قد وقع بعد ، وذلك لتحقق وقوعه مستقبلا ، فهو من أنباء الغيب التي جاء القرآن الكريم بكثير منها ..
ويجوز أن يكون هذا إخبارا عما كان ينزل بهم من حوائج ومجاعات ، قبل البعثة النبوية ، ويكون هذا الخبر عنهم ، مرادا به الكشف عن جفاء طباعهم ، وغلظ مشاعرهم ، وأنهم أشبه بالجماد ، لا يتأثرون بالخير أو الشر ..
قوله تعالى :
(حَتَّى إِذا فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً ذا عَذابٍ شَدِيدٍ إِذا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ).
وهكذا يظل القوم على ما هم فيه من ضلال ، وكفر ، وعناد ، لا يصلح من فسادهم تأديب بالخير أو الشر ، ولا يقوّم معوجّهم إحسان أو إساءة .. حتى يموتوا بدائهم هذا ، الذي لا شفاء له إلّا عذاب السعير ..
والإبلاس : الوجوم ، والجمود ، وسكون الحركات ، وخمود المشاعر .. من الهول وشدة البلاء ..
قوله تعالى :
(وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ).