يقول بعض الفلاسفة المعاصرين : «إن الموت هو أصل الديانات كلها ، ويجوز أنه لو لم يكن هناك موت لما كان للإله عندنا وجود».
وذلك لأن الموت لفت الإنسان إلى قوة عليا ، يستمد منها الحياة ، ويدفع بها الموت .. وإذا لم يتحقق له ذلك فى الحياة الدنيا ، طمع فى حياة أخرى بعد الموت ، يصل بها ما انقطع بالموت ..
ويكاد التفكير الإنسانى كله ـ عدا جماعات قليلة متناثرة على رقعة الزمن الفسيح ـ يكاد يرى الموت خاتمة حياة ، ومبدأ حياة جديدة أخرى.
لقد رفض العقل منذ أول مرحلة من مراحل تفكيره ـ رفض أن يجعل الموت خاتمة نهائية لحياة الإنسان ، وأبى أن يذهب بمن يموتون من الأهل والأحباب والأصدقاء إلى وادي الفناء والعدم .. فأقام لهم المقابر ، وسعى إليهم فى أوقات مختلفة ، يناجيهم ، ويبثهم ما بصدره من شوق وحنين ، ويشكو إليهم ما لقى من بعدهم من آلام وأحزان ..
وحول المقابر ، وعليها ، أقيمت تماثيل الموتى ، وقدّمت القرابين والصلوات والأدعية ، حتى يجد الميت فى ذلك ما يهنأ به فى عالمه الجديد ..
إن شبح الحياة تدبّ فى الأموات ، مازال يطلّ على الأحياء من وراء القبور ، فلم تنقطع الصلة بين الأحياء والأموات .. بمواراتهم فى القبور ، أبدا ، بل كان الأحياء دائما يناجون الأموات ، ويتحدثون إليهم حديث الحىّ إلى الحىّ ، بل وكثيرا ما يتلقى الأحياء من الموتى ـ عن طريق التخيل والتوهم ـ الجواب الشافي لما يلقون إليهم من شئون وشجون ..
إن تلك الصلة النفسية بين الأحياء والأموات ، قد خلقت فى الناس عقيدة الحياة بعد الموت .. وذلك قبل أن تجىء الأديان السماوية ، فتقرر هذه الحقيقة ، وتلتقى مع ما وجده الإنسان بحدسه ، واستشعره بوجدانه ، وطرقه بخياله.