ثم كان بيت الصديق ، الذي أوت إليه أم المؤمنين أشبه «بالغار» .. حيث كثر الطلب للحديث عنها ، وعلت الأصوات الخافتة للقالة فيها ، بعد أن خرجت من بيت النبىّ ، إلى بيت أبويها ..
ثم لم يكن لهذا البلاء العظيم إلا ما ينزل من رحمة السماء ، حتى يردّ للنفوس الطاهرة اعتبارها ، ويأخذ لها بحقها ، ويجزيها الجزاء العظيم على صبرها واحتمالها .. فنزلت تلك الآيات الست عشرة ، التي رفعت قدرا رفعه الله وأراد المنافقون ومن فى قلوبهم مرض أن ينالوا منه .. فكان أن زاده الله رفعة إلى رفعة ، وشرفا إلى شرف ، وذكرا باقيا خالدا على الدهر .. وهذا ما يشير اليه قوله تعالى :
(إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ ، بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ..) وأي خير أعظم من هذا الخير؟ وأي شىء فى الدنيا كلها يعدله ، أو يعدل بعضا منه؟
* * *
قوله تعالى :
(لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ) ..
لو لا : حرف تحضيض ، بمعنى هلّا .. فهو استفهام يراد به الحثّ على إتيان الأمر المستفهم عنه ..
والمعنى : لقد كان من الخير لكم أيها المؤمنون وأيتها المؤمنات ، إذ سمعتم هذا المنكر ـ أن تنكروه ، وتردوه على أهله الذين جاءوا به .. حيث أن التي ترمى به ، امرأة مؤمنة منكم ، بل هى أم المؤمنين ، وزوج الرسول الكريم .. وكل صفة من تلك الصفات هى وحدها أمان لها من الزلل والعثار ، ووازع قوى يزعها عن الاعتداء على حدود الله ، فكيف إذا اجتمعت لها هذه الصفات جميعها؟ ..