أَطْرافِها)؟ فالنقص لأطراف الأرض هو النقص فى النعم ، من مال ، ومتاع ، وبنين ، ومن قوة وصحة ، ومن جاه وسلطان ، يقابل ذلك زيادة فى هذه النعم ، وذلك بما يقع من تبدل فى أحوال الناس .. حيث تنتقل هذه النعم من يد إلى يد ، ومن جماعة إلى جماعة ، ومن أمة إلى أمة ، كما يقول سبحانه وتعالى : (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ) .. فيلبس الفقير ثوب الغنى ، كما يلبس الغنىّ ثوب الفقر ، وهكذا الحال فى كل نعمة .. فالدنيا : حياة وموت ، وغنى وفقر ، وصحة ومرض .. إلى غير ذلك مما يتقلب فيه الناس من شئون ..
وهذا هو السرّ فى التعبير القرآنى : (مِنْ أَطْرافِها) حيث أشار ذلك إلى أطراف من الأرض ، أي جوانب منها. وهى الجوانب التي تمثل سلب النّعم ، أما الجوانب الأخرى التي تساق إليها النعم ، فهى مسكوت عنها فى هذا المقام ، الذي هو مقام تهديد ووعيد لهؤلاء المشركين ، الذين طال عليهم العهد وهم فى تلك النّعم التي أنستهم ذكر الله ، والتي هى على وشك أن ترحل عنهم ، وتفلت من أيديهم .. فإنهم لا يستطيعون دفع بلاء الله إذا نزل بهم : (أَفَهُمُ الْغالِبُونَ؟).
وقد ذهب أكثر المفسّرين إلى أن هذه الآية مدنية فى السورة المكية ، وأقاموا معناها على أن نقصان الأرض من أطرافها ، هو إشارة إلى ما يغلب عليه المسلمون من أرض المشركين والكافرين .. وأن المسلمين ينقصون الأرض التي فى أيدى الكافرين بالفتوحات الإسلامية ، وبضمها إلى أيديهم ..
وهذا المعنى بعيد فى نظرنا .. وذلك من وجوه :
أولا : أن فتح المسلمين للأرض ، وضمها إلى حوزة الإسلام ليس نقصا للأرض ، بل هو زيادة فيها ، ونماء لها .. إذ كان ذلك الفتح مما يبارك على الأرض خيرها ، وبضاعف ثمرها ، بما ينشر فيها من عدل ، وأمن ، وسلام ..