فما أكثر ما يقع الخلاف بين المتبوع والتابعين ، وما أكثر ما يملك المتبوع من القوة والسلطان ما يضرب به أتباعه الضربة القاضية .. وليس من المستبعد إذن أن يكون قد وقع خلاف بين هذا الصنم الكبير ، وبين أتباعه ، فأخذهم ببأسه ، ونكّل بهم هذا التنكيل الذي ترون!
فإن كنتم لا تصدقون .. (فَسْئَلُوهُمْ .. إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ) أي إن كان فى قدرتهم أن ينطقوا ، وأن يكشفوا عن الجاني الذي جنى عليهم ، وحطم رءوسهم ، ومزق أشلاءهم!
ولم ير إبراهيم أن يسألوا هذا الصنم الكبير .. بل دعاهم إلى أن يسألوا المجنى عليهم ، فهم أعرف بمن جنى عليهم ، إن كان بهم قدرة على الكلام .. أما الجاني فقد ينكر جنايته ، ولا يكشف عن فعلته .. وهذا هو السرّ فى أن طلب إبراهيم إليهم أن يسألوا المجنى عليهم لا الجاني ..
هذا ، وقد أكثر المفسرون فى الحديث عن اتهام إبراهيم للأصنام ، ودفع التهمة عنه .. ودخلوا فى جدل طويل حول هذا الكذب ، والمواطن التي يباح فيها للمرء أن يكذب ، وعدّوا هذا الذي كان من إبراهيم من الكذب المباح المتجاوز عنه .. لأنه من قبيل التقيّة ، التي يجوز المؤمن فيها أن ينطق بكلمة الكفر إذا تعرض للبلوى ، ما دام قلبه مطمئنا بالإيمان ..
والأمر لا يحتاج إلى شىء من هذا ، فما قال إبراهيم هذا القول ، وهو يقدّر أن القوم يصدقونه ، أو يأخذون به .. وعندئذ يمكن أن يقال إن هذا كذب مباح ومعفوّ عنه .. وإنما قال إبراهيم ما قال ، استهزاء بالقوم ، وسخرية منهم ، وكشفا لهم عن حقيقة هذه الأحجار .. ولهذا ردّوا عليه قوله : (لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ)! أي إنك تقول هذا القول ساخرا مستهزئا ، لأنك