ومما يدل على أن الاستطاعة مع الفعل قول الخضر لموسى عليهماالسلام : (إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً) (١) فعلمنا أنه لما لم يصبر لم يكن للصبر مستطيعا ، وفى هذا بيان أن ما لم تكن استطاعة لم يكن الفعل وأنها اذا كانت كان لا محالة. ومما يبين ذلك أن الله تعالى قال : (ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ) (٢) وقال : (وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً) (٣) لو قد أمروا أن يسمعوا الحق وكلفوه ، فدل ذلك على جواز تكليف ما لا يطاق وأن من لم يقبل الحق ولم يسمعه على طريق القبول لم يكن مستطيعا. فان قالوا : ألا يستطيعون الاستقبال؟ قيل لهم : ما الفرق (بينكم وبين من قال انهم لا يستطيعون قبول الحق للاشتغال بتركه
مسألة
فان قال قائل : أليس قد كلف الله تعالى الكافر الايمان؟ قلنا له نعم. فان قال : أفيستطيع (٤) الايمان؟ قيل له : لو استطاعه لآمن : فان قال : أفكلفه (٥) ما لا يستطيع؟ قيل له : هذا كلام على أمرين ان أردت بقولك أنه لا يستطيع الايمان لعجزه عنه فلا ، وان أردت أنه لا يستطيعه لتركه واشتغاله بضده فنعم. فان قال : ما أنكرتم أن يكون الله تعالى كلف الكافر ما يعجز عنه لتركه له قيل له : العجز عن الشيء أنه يخرج عنه وعن ضده : فلذلك استحال أن يعجز
__________________
(١) س ١٨ الآية ٦٧.
(٢) س ١١ الآية ٢٠.
(٣) س ١٨ الآية ١٠١.
(٤) ب وتبعه ل ، م : فيستطيع.
(٥) ب وتبعه ل ، م : فكلفه.