المطهرة ، وإذا فمعنى كون دخول الجنة بفضل الله أن يوفقك الله لصالح العمل بفضله لتكون صالحا ومتهيئا لرحمته وفضله فيدخلك الجنة.
يا ولدي : اعلم يقينا أنك إن لم تعمل لم تأخذ أجرة العمل.
وحكي أن عبدا من بني إسرائيل عبد الله مخلصا سنين عديدة فأراد البارئ جل وعلا أن يظهر إخلاصه للملائكة فبعث الله ملكا يخبره أن الله تعالى يقول : إلى متى تسعى هذا السعي وتتعب نفسك في العبادة ، وأنت من أهل النار؟ فأخبره الملك بما قاله المولى. فقال العبد في جوابه: أنا عبد ، وشأن العبد العبودية وهو إله ، وشأن الألوهية لا يعلمه إلا هو. فرجع الملك إلى ربّه وقال : إلهي أنت تعلم السر وأخفى وتعلم ما قاله عبدك ، فقال الله تعالى : إذا كان هذا العبد مع ضعفه لم يرجع عنا ، فكيف نرجع عنه مع كرمنا : (اشهدوا يا ملائكتي أني غفرت له).
يا ولدي : اسمع حديث النبي صلىاللهعليهوسلم ما ذا يقول : «حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا قبل أن توزنوا». وقال أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه : «من ظن أنه بدون الجهد يصل إلى الجنة فهو متمن. ومن ظن أنه ببذل الجهد يصل فهو متعن». وقال الحسن البصري رحمهالله تعالى : «طلب الجنة بلا عمل ذنب من الذنوب». وفي الحديث القدسي : «ما أقل حياء من يطمع في جنتي بغير عمل كيف أجود برحمتي على من بخل بطاعتي» وقال أحد الأكابر : «الحقيقة ترك ملاحظة العمل لا ترك العمل». وحديث المصطفى صلىاللهعليهوسلم أحسن وأشرف وأوضح من الكل حيث قال : «الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والأحمق من اتبع نفسه هواه وتمنّى على الله».
يا ولدي : كثيرا ما أحييت الليالي بتكرار العلم والمطالعة ولا أدري ما الباعث لك على ذلك. إن كان غرضك الدنيا وجذب حطامها وتحصيل المناصب والمباهاة على أقرانك وأمثالك ، فويل لك ثم ويل لك. وإن كان غرضك إحياء الشريعة والدين المحمدي وتهذيب الأخلاق ، فطوبى لك ثم طوبى لك ، ولقد صدق من قال :
سهر العيون لغير وجهك ضائع |
|
وبكاؤهنّ لغير فقدك باطل |
وقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «عش ما شئت فإنّك ميّت ، وأحبب ما شئت فإنّك مفارقه ، واعمل ما شئت فإنّك مجزي به». ما فائدتك في تحصيل علم الكلام والخلاف والطب والدواوين والأشعار والنجوم والنحو والتصريف وغيرها ما حصلت غير تضييع عمرك في الغفلة عن جلال الله وعظمته وقدره ، لأني قرأت في إنجيل عيسى عليهالسلام : إن العبد إذا مات ووضع في قبره يسأله الله تعالى بنفسه أربعين سؤالا أولها : «عبدي قد طهرت منظر الخلق سنين هل طهرت منظري ساعة»؟
يا ولدي : كل يوم ينادي في قلبك وإن لم تسمع (ما تصنع بغيري وأنت محفوف بخيري).
يا ولدي : العلم بغير عمل جنوني والعلم بغير علم أجنبي ، لأن العلم إن لم يباعدك اليوم عن المعاصي ولم يصيرك طائعا لم يباعدك غدا من نار جهنم ، فإن لم تعمل اليوم ولم تتدارك