الرعية ، ومالت القلوب عنك ، وربما ذهبت باطنا وظاهرا. واعلم أن المظلوم له همة تكون وافية في عكس أغراضك ، مثل همم أرباب الاستقامة ، فإنها مؤثرة في الفلك لاستجلاب ماء الغمام. وسأتلو عليك قصة السلطان ابن سملتكين وقد نفذ رسولا إلى ملك الهند وقال : ما سبب طول أعماركم مع جحودكم للصانع وتكذيبكم للرسل والوسائط ، ونحن قصار الأعمار مع تصديقنا وإيماننا؟ فقال ملك الهند لرسوله : انظر إلى هذه الشجرة التي فوقها ثمرة ، لا أعطيك الجواب حتى تنقطع. ثم أمر بالإدرار عليه وحسن الإقامة ، فضاق صدره وتعلقت همته بقلعها ، فلم يك إلا مدة قريبة إذ سمع هزة وقعت والناس يهرعون ، ومشى معهم ، فإذا الشجرة واقعة والملك مفكر ، فلما بصر الملك بالرسول قال له : اذهب فهذا جوابك ، وقل للسلطان هذه همة واحدة أثرت في قلع شجرة مثمرة ، فكيف همم جماعة من المظلومين لا تؤثر في قلع الظالمين! إذ دعاء المظلوم محمول فوق الغمام ، وقد ورد في بعض الكتب السالفة : أنا الظالم إن لم أنتقم من الظالم. واعلم أن العدل وبسط باع السلطنة بالهيبة مثل القتل والصلب والقطع يثمر الأمن وتمهيد الأرض وطمأنينة قلوب الرعية ، إذ السلطان ظل ربه في الأرض وملجؤها ، يأوي إليه كل مظلوم. ولا تستهب وضع الشيء في مكانه إذ" القتل أنفى للقتل"(وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) [البقرة : ١٧٩] وكان عمرو بن العاص صحابيّا بدريّا نبه معاوية رضي الله عنه وجسره على فظائع الأفعال بقصائده اللامية والنونية التي قال فيها :
معاويّ في الخلق لا نفد له |
|
معاويّ إنّي لم أبايعك فلته |
فينا ولو مرّة في الدّهر واحده |
|
وكم للشّيخ عندي من خزايا |
تدلّ لها المغازي والمخازي
وطريق آخر في استدعاء المملكة وترتيبها وهو بذل الأموال ، وطريق آخر وهو بالسيف معقود ، لكنه مفتقر إلى ترك الشح مع الجند وإجلاء دعوة المظلوم ، ولا يتعرض إلى الشقوص الموقوفة.
ولتجعل للرعية والسواد في كل يوم مدة لمطالعة أحوالهم ، فقد يتشعب الظلم مع الغفلة لا سيما مع الحجّاب والعمال ، ولتنظر في مخازي الكتاب فما كذبت بنت كسرى إذ سمته ديوانا ، ولتنظر في وقت العشيّ ما كتبه الكتّاب بالنهار ، لا يتم عليه حيل أرباب الدساتير ، فكم من مظلوم عن حقه صدّ لغفلة الملك عنه. فإذا أردت أن لا تنحجب عنك حال فامنع الكلام ، وأمر بأخذ القصاص ، ووقع فيها بما تراه والله تعالى أعلم.
باب [وهو المقالة الثانية] الترتيب في قعود الملك وسياسته ونومه وليلته
إذا صليت صبحك تقعد في ذكر الله تعالى إلى طلوع الشمس ، ثم تأمر أهل دارك ومن حولك بما تريده من حوائجك من مأكل ومشرب ، ثم تركب لتسمع أو يلقاك محجوب أو تلبي مظلوما أو تطلع على الحوادث ، ثم تعود وأنت محفوف بالقعقعة والسلاح والتحرز من طمع الأعداء ، ثم تقعد في دار