رجليه لفي تخوم الأرض السفلى ، وأعظم من هذا كله قوله عزوجل : (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) [البقرة : ٢٥٥]. فما ظنك بمخلوق وسع هذا الأمر العظيم ، فارفع نظرك إلى البارئ العظيم واستدل بهذا الخلق العظيم على قدر هذا الخالق العظيم ، وعلى جلاله وقدرته وعلمه ، ونفوذ مشيئته وإتقان حكمته في بريته ، وانظر كيف جميع هذا الصنع العظيم ممسوك بغير عمد تقله ، ولا علائق من فوقه ترفعه وتثبته ، فمن نظر في ملكوت السماوات والأرض ونظر في ذلك بعقله ولبه ، استفاد بذلك المعرفة بربه والتعظيم لأمره ، وليس للمتفكرين إلى غير ذلك سبيل ، وكلما ردد العقل الموفق النظر والتفكر في عجائب الصنع وبدائع الخلق ازداد معرفة ويقينا وإذعانا لبارئه وتعظيما ، ثم الخلق في ذلك متفاوتون ، فكل مثال من ذلك على حسب ما وهبه له من نور العقل ونور الهداية. وأعظم شيء موصل إلى هذه الفوائد المشار إليها تلاوة الكتاب العزيز ، وتفهم ما ورد فيه وتدبر آياته مع ملازمة تقوى الله سبحانه.
فهذا هو باب المعرفة بالله واليقين بما عند الله ، ثم انظر وتأمل ما نشير إليه ، فإنك علمت على الجملة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أسري به إلى أن بلغ المنتهى ورأى من آيات ربه الكبرى. واطلع على ملكوت ربه وتحقق أمر الآخرة والأولى. ودنا من ربه حتى كان كقاب قوسين أو أدنى. فما ظنك بعلم من شرف بهذا المعنى ثم أمر بأن يقول : (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) [طه : ١١٤]. علمك بمعرفته ومنّ عليك بنور هدايته واستعملنا وإياك بطاعته. وجعلنا بكرمه أجمعين من أهل ولايته بمنه وكرمه وجوده إنه ولي ذلك.