وقوله تعالى (قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا) يأمر الله تعالى رسوله أن يقول للمذنبين العادلين بربهم (هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ) أي ليس لديكم علم على ما تدعونه فتخرجوه لنا ، (إِنْ تَتَّبِعُونَ (١) إِلَّا الظَّنَ) أي ما تتبعون في دعاويكم الباطلة إلا الظن ، (وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ) أي وما أنتم إلا تحرصون أي تقولون بالحزر والخرص فتكذبون ، وقوله تعالى (قُلْ فَلِلَّهِ (٢) الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) أي يعلم رسوله أن يقول لهم بعد أن دحض شبهتهم وأبطلها إن لم تكن لكم حجة فلله الحجة البالغة ، ومع هذا (فَلَوْ شاءَ) هدايتكم (لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) وهو على ذلك قدير ، وإنما حكمه في عباده وسنته فيهم أن يكلفهم اختبارا لهم ويوضح الطريق لهم ويقيم الحجة عليهم ، فمن اهتدى فلنفسه ، ومن ضل فعليها.
هذا ما دلت عليه الآيتان الأولى والثانية وأما الآية الثالثة (١٥٠) وهي قوله تعالى : (قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ (٣) الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللهَ حَرَّمَ هذا) أي الذين حرمتموه فإنهم لا يستطيعون أن يأتوا بهم (فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ) وإن فرضنا أنهم يأتون بشهداء باطل يشهدون (٤) فلا تقرهم أنت أيها الرسول على باطلهم بل بين لهم بطلان ما ادعوه ، فإنهم لا يتبعون في دعاويهم إلا الأهواء ، وعليه (لا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا ، وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) ، وقد جمع هؤلاء المشركون كل هذه العظائم من الذنوب التكذيب بآيات الله ، وعدم الإيمان بالآخرة ، والشرك بربهم فكيف يجوز اتباعهم وهم مجرمون ضالون.
هداية الآيات
من هداية الآيات :
١ ـ بطلان الاحتجاج بالقدر على فعل المعاصي والاستمرار فيها.
٢ ـ لا حجة إلا فيما قام على أساس العلم الصحيح.
٣ ـ الحكمة في عدم هداية الخلق كلهم مع قدرة الله تعالى على ذلك هو التكليف
__________________
(١) إن في الموضعين نافيه بمعنى (ما) كما هي في التفسير.
(٢) فالله الفاء هنا هي الفاء الفصيحة إذ هي مفصحة عن كلام سابق ترتب عليه ما بعدها ترتب الجزاء على الشرط تقديره هنا فإن كان قولكم لمجرد اتباع الظن والخرص والحزر ولا علم لكم فلله تعالى الحجة البالغة التي تصل إلى الحقيقة وتؤكدها وتبطل ما عداها.
(٣) الأمر هنا للتعجيز والشهداء جمع شهيد بمعنى شاهد.
(٤) أي كذبهم واعلم بأنهم شهداء زور فقوله تعالى فلا تشهد معهم معناه كذبهم ولا تقرهم فإنهم شهداء زور لا غير.