وامتثلوا أمره ، على خلاف بني إسرائيل فإنهم عصوا وصادوا فمسخهم قردة خاسئين.
وقوله تعالى (فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ) ، أي فمن صاد بعد هذا التحريم فله عذاب أليم هذا ما دلت عليه الآية الأولى (٩٤). أما الآية الثانية (٩٥) وهي قوله تعالى : (يا أَيُّهَا (١) الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا (٢) الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) فأكد لهم تحريم الصيد وبيّن لهم ما يترتب على ذلك من جزاء فقال (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً) فالحكم الواجب على من قتله جزاء (مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) وهى الإبل والبقر والغنم (يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) فالعدلان ينظران إلى الصيد وما يشبهه من النعم فالنعامة تشبه الجمل وبقرة الوحش تشبه البقرة ، والغزال يشبه التيس وهكذا فإن شاء (٣) من وجب عليه بغير أو بقرة أو تيس أن يسوقه إلى مكة الفقراء الحرم فليفعل وإن شاء اشترى بثمنه طعاما وتصدق به ، وإن شاء صام بدل كل نصف صاع يوما لقوله تعالى : (هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً) وقوله تعالى : (لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ) أي ثقل جزاء مخالفته وقوله تعالى : (عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ) أي ترك مؤاخذتكم على ما مضى ، وأما مستقبلا فإنه تعالى يقول (وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ (٤) اللهُ مِنْهُ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ) ومعناه أنه يعاقبه على معصيته ولا يحول دون مراده تعالى حائل ألا فاتقوه واحذروا الصيد وأنتم حرم ، هذا ما دلت عليه الآية الثانية أما الثالثة (٩٦) فقد أخبر تعالى بعد أن حرم على المؤمنين الصيد وهم حرم وواجب الجزاء على من صاد. أخبر أنه امتنانا منه عليهم أحل لهم صيد البحر أي ما يصيدونه من البحر وهم حرم كما أحل لهم طعامه وهو ما يقذفه البحر من حيوانات (٥) ميتة على ساحله (مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ) وهم المسافرون يتزودون به في سفرهم ويحرم عليهم صيد البر ما داموا حرما ، وأمرهم بتقواه أي بالخوف من عقوبته فيلزموا طاعته بفعل ما أوجب وترك ما حرم ، وذكرهم بحشرهم جميعا إليه يوم القيامة للحساب والجزاء فقال : (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ).
__________________
(١) روي أنّ أبا اليسر عمرو بن مالك الأنصاري قتل حمار وحش وهو محرم بعمرة عام الحديبية فنزلت هذه الآية.
(٢) القتل لغة : إفاتة الروح وهو أنواع منها النحر ، والذبح ، والخنق ، والرضخ وشبهه.
(٣) قالت العلماء : ما يجزئ من الصيد شيئان دواب وطير فيجزئ ما كان من الدواب بنظيره في الخلقة والصورة ففي النعامة بدنه والطير : القيمة إلا الحمام ففيه شاة.
(٤) الجمهور أنّ من صاد ودفع الجزاء ثمّ صاد كلما صاد لزمه الفداء ، وبعض أهل العلم يرى أنه لا يحكم عليه بشيء ويترك لله تعالى ويقال له : ينتقم الله منك.
(٥) مذهب مالك حلية ميتة البحر مطلقا لحديث : «هو الطهور ماؤه الحلّ ميتته» وحديث العنبر.