أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ) (١) كلحوم ما حرموه من السوائب ، فالاستفهام في قوله (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ) للإنكار. ومعنى أخرجها : أنه أخرج النبات من الأرض كالقطن والكتان ومعادن الحديد لأن الدروع من الحديد ، وقوله تعالى (قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ (٢) آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) بالأصالة ، لأن المؤمنين علماء فيحسنون العمل والإنتاج والصناعة ، والكفار تبع لهم في ذلك لجهلهم وكسلهم وعدم بصيرتهم ، (خالِصَةً (٣) يَوْمَ الْقِيامَةِ) أي هي خالصة للمؤمنين يوم القيامة لا يشاركهم فيها الكفار ولأنهم في دار الشقاء النار والعياذ بالله تعالى وقوله تعالى (كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) أي كهذا التفصيل والبيان الذي بيناه وفصلناه في هذه الآيات وما زلنا نفصل ونبين ما ننزل من آيات القرآن الكريم لقوم يعلمون أما غيرهم من أهل الجهل والضلال فإنهم لا ينتفعون بذلك لأنهم محجوبون بظلمة الكفر والشرك ودخان الأهواء والشهوات والشبهات.
هذا ما دلت عليه الآية الأولى (٣٢) أما الآية الثانية (٣٣) فقد تضمنت بيان أصول المحرمات وأمهات الذنوب وهي : الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، والإثم : وهو سائر المعاصي بترك الواجب أو فعل الحرام والبغي : وهو الاستطالة على الناس والاعتداء عليهم بهضم حقوقهم وأخذ أموالهم وضرب أجسامهم وذلك بغير حق أوجب ذلك الاعتداء وسوغه كأن يعتدي الشخص فيقتص منه ويعاقب بمثل ما جنى وظلم ، والشرك بالله تعالى بعبادة غيره ، والقول على الله تعالى بدون علم منه وذلك كشرع ما لم يشرع بتحريم ما لم يحرم ، وإيجاب ما لم يوجب.
هذا ما دلت عليه الآية الثانية أما الثالثة والأخيرة في هذا السياق (٣٤) فقد أخبر تعالى فيها أن لكل أمة أجلا محددا أي وقتا معينا يتم هلاكها فيه لا تتقدمه بساعة ولا تتأخر عنه تأخرى. وفي هذا إشارة أفصح من عبارة وهي أن هلاك الأمم والجماعات والأفراد يتم بسبب
__________________
(١) الطيبات : اسم عام لكل ما طاب كسبا وطعما وقد أكل الرسول صلىاللهعليهوسلم اللحم والعسل والحلوى والبطيخ والرطب ، وإنما الذي يكره الإكثار منها والتكلف في شرائها وإعدادها ، وعمر لم ينكر الطيبات وإنما أنكر الكثرة منها ، فكان يرى عدم الجمع بين الطيبات ويكتفي بنوع واحد.
(٢) في الآية دليل على التجمل بأحسن الثياب وخاصة في الأعياد والجمع وزيارة الإخوان ومقابلة الوفود ، وليس من السنة لبس المرقعات والفوط وليس معنى : (وَلِباسُ التَّقْوى) : أنه لباس الخشن والمرقعات أبدا وإنما هو تقوى الله بامتثال الأمر واجتناب النهي ، وقد تقدم معناها ، وفي الحديث الصحيح : (إنّ الله جميل يحب الجمال).
(٣) قرىء : خالصة بالرفع خبر لمبتدأ محذوف تقديره : هي خالصة ، وقرىء (خالِصَةً) بالنصب على الحال أي : ثابتة لهم في الدنيا حال كونها خالصة لهم يوم القيامة.