للسحرة المؤمنين فما كان جواب السحرة (قالُوا إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ) أي راجعون فقتلك إيانا لم يزد على أن قربنا من ربنا وردنا إليه ونحن في شوق إلى لقاء ربنا ، وعليه فحكمك بقتلنا ما هو بضائرنا ، وشيء آخر هو أنك (ما تَنْقِمُ (١) مِنَّا) يا فرعون أي ما تكره منا ولا تنكر علينا إجراما أجرمناه أو فسادا في الأرض اشعناه إنما تنقم منا إيماننا بآيات ربنا لما جاءتنا وهذا شيء لا مذمة فيه علينا ، ولا عارا يلحقنا ، فلذا (فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا) ثم أقبلوا على الله ورفعوا أيديهم إليه وقالوا ضارعين سائلين (رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً) حتى نتحمل العذاب في ذاتك (وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ) (٢) ، ونفذ فرعون جريمته (٣) ولكن أحدث ذلك اضطرابا في البلاد ولم يكن فرعون ولا ملأه يتوقعون دل عليه الآيات التالية.
هداية الآيات
من هداية الآيات :
١ ـ القلوب المظلمة بالكفر والجرائم أصحابها لا يتورعون عن الكذب واتهام الأبرياء.
٢ ـ فضيلة الاسترجاع أن يقول (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) حيث فزع إليها السحرة لما هددهم فرعون إذ قالوا (إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ) أي راجعون فهان عليهم ما تهددوا به.
٣ ـ مشروعية سؤال الصبر على البلاء للثبات على الإيمان.
٤ ـ فضل الوفاة على الإسلام وأنه مطلب عال لأهل الإيمان.
(وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قالَ سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ (١٢٧) قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ
__________________
(١) يقال : نقم ينقم من باب ضرب ، نقما ونقما على أنه من باب تعب تعبا إذا أنكر الفعل وكره صدوره وحقد على فاعله ، ويكون بالقول والفعل.
(٢) كلمة الإسلام معروفة في كل زمان ومكان بين المؤمنين ويعبر عنها كل قوم بلغتهم إذ معناها الانقياد لله مع حبّه تعالى وتعظيمه والشوق إليه.
(٣) لم يرد في القرآن ما يدل على أنّ فرعون نفّد وعيده في السحرة أو لم ينفذه ، وعدم ذكر القرآن له لأنه خال من الفائدة ، وذكر القرطبي بصيغة التمريض فقال : قيل إنّ فرعون أخذ السحرة وقطعهم على شاطىء النهر وأنّه آمن بموسى عند إيمان السحرة ستمائة ألف والله أعلم.