شهادتهما فاحبسوهما أي أوقفوهما بعد صلاة العصر في المسجد ليحلفا لكم فيقسمان بالله فيقولان والله لا نشتري بأيماننا ثمنا قليلا ، ولو كان المقسم عليه أو المشهود عليه ذا قربى أي قرابة ، (وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللهِ ، إِنَّا إِذاً) أي إذا كتمنا شهادة الله (لَمِنَ الْآثِمِينَ فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً) أي وإن وجد أن الذين حضرا الوصية وحلفا على صدقهما فيما وصاهما به من حضره الموت إن وجد عندهما خيانة أو كذب فيما حلفا عليه ، (فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ) (١) فيقسمان بالله قائلين والله : لشهادتنا أحق من شهادتهما أي لأيماننا أصدق وأصح من أيمانهما ، (وَمَا اعْتَدَيْنا) أي عليهما باتهام باطل ، إذ لو فعلنا ذلك لكنا من الظالمين ، فإذا حلفا هذه اليمين استحقا ما حلفا عليه ورد إلى ورثة الميت ما كان قد أخفاه وجحده شاهدا الوصية عند الموت ، قال تعالى : (ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها) أي أقرب إلى أن يأتوا بالشهادة عادلة لا حيف فيها ولا جور وقوله (أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ) ، أي وأقرب إلى أن يخافوا أن ترد أيمانهم فلا يكذبوا خوف الفضيحة ، وقوله تعالى : (وَاتَّقُوا اللهَ) أي خافوه أيها المؤمنون فلا تخرجوا عن طاعته ، (وَاسْمَعُوا) ما تؤمرون به واستجيبوا لله فيه ، فإن الله لا يهدي إلى سبيل الخير والكمال الفاسقين الخارجين عن طاعته ، فاحذروا الفسق واجتنبوه.
هداية الآيات
من هداية الآيات :
١ ـ مشروعية الوصية في الحضر والسفر معا ، والحث عليها والترغيب فيها.
٢ ـ وجوب الإشهاد على الوصية.
٣ ـ يجوز شهادة غير المسلم (٢) على الوصية إذا تعذر وجود مسلم. (٣)
٤ ـ استحباب الحلف بعد صلاة العصر تغليظا في شأن اليمين.
__________________
(١) واحد الأوليان : الأولى بمعنى الأجدر والأحق ، وعرفا باللّام العهدية لأنه معهود للمخاطب ذهنا ، والأوليان : الأحقّان بالشهادة لقرابتهما من الميت ، قال أهل العلم إنّ هذه الآية في غاية الصعوبة إعرابا ونظما وحكما.
(٢) هذا بناء على أن الآية غير منسوخة وهو قول الأقلية كأحمد بن حنبل رحمة الله تعالى وهو الراجح والآية دلالتها قوية عليه ، وأما التخوف من قوله تعالى : (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) فلا داعي إليه مع وجود ضرورة السفر وانعدام وجود المسلم ، كما لا محذور من تحليف الشاهد إذا حامت حوله ريبة أوشك في عدالته لا سيما في ظروف تقل فيها العدالة لفساد أحوال الناس. ولهذا ذهبت في تفسير الآية على أنّها محكمة والعمل بها جائر.
(٣) وممن قال بعدم نسخ هذه الآية وأنها محكمة والعمل بها من الصحابة : أبو موسى الأشعري وقضى بها ، وعبد الله بن قيس ، وعبد الله بن عباس ، ومن التابعين سعيد بن المسيب ، وسعيد بن جبير ، وابراهيم النخعي وغيرهم ، ومن الأئمة إمام أهل السنة أحمد بن حنبل رحم الله الجميع.