وتخلف آخرون فحصلت تساؤلات بين المجاهدين لم يعطي هذا ولم لا يعطي ذاك فسألوا الرسول صلىاللهعليهوسلم فأنزل الله تعالى (يَسْئَلُونَكَ (١) عَنِ الْأَنْفالِ؟) (٢) فأخبرهم أنها (لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) فالله يحكم فيها بما يشاء والرسول يقسمها بينكم كما يأمره ربه (٣) وعليه فاتقوا الله تعالى بترك النزاع والشقاق ، (وَأَصْلِحُوا) ذات بينكم بتوثيق عرى المحبة بينكم وتصفية قلوبكم من كل ضغن أو حقد نشأ من جراء هذه الأنفال واختلافكم في قسمتها ، (وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) في كل ما يأمرانكم به وينهيانكم عنه (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) حقا فامتثلوا الأمر واجتنبوا النهي. وقوله تعالى (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ) أي الكاملون في إيمانهم الذين يستحقون هذا الوصف وصف المؤمنين هم (الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ) أي اسمه أو وعده أو وعيده (وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) (٤) أي خافت فأقلعت عن المعصية ، وأسرعت إلى الطاعة ، (وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً) أي قوي إيمانهم وعظم يقينهم ، (وَعَلى رَبِّهِمْ) لا على غيره (يَتَوَكَّلُونَ) وفيه تعالى يثقون. وإليه تعالى أمورهم يفوضون ، (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ) بأدائها بكامل شروطها وكافة أركانها وسائر سننها وآدابها ، (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ) أي اعطيناهم (يُنْفِقُونَ) من مال وعلم ، وجاه وصحة بدن من كل هذا ينفقون في سبيل الله (أُولئِكَ) الموصوفون بهذه الصفات الخمس (هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا) وصدقا ، (لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ) أي منازل عالية متفاوتة العلو والارتفاع في الجنة ، ولهم قبل ذلك (مَغْفِرَةٌ) كاملة لذنوبهم ، (وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) (٥) طيب واسع لا تنقيص فيه ولا تكدير ، وذلك في الجنة دار المتقين.
__________________
(١) السؤال معناه : الطلب فإن عدي بعن : كان لطلب معرفة شيء نحو : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ) وإن عدي بنفسه نحو :
(سأله ما لا فهو : لطلب إعطاء الشيء المطلوب).
(٢) الأنفال : جمع نفل بفتح النون والفاء معا كعمل وهو مشتق من النافلة التي هي الزيادة في العطاء ، وقد أطلق العرب لفظ النفل على الغنائم في الحرب اعتبارا منهم لها على أنها زيادة عن المقصود الأهم الذي هو إبادة العدو ، ولذا كان بعض صناديدهم لا يأخذونها وهذا عنترة يقول :
يخبرك من شهد الوقيعة أنني |
|
أغشى الوغى وأعفّ عند المغنم |
(٣) اختلف في النفل هل يكون من الخمس أو هو خمس الخمس من الغنيمة؟ والصحيح أنه ما يعطيه الإمام من شاء من المقاتلين لبلائه من الخمس.
(٤) وجل : كضرب ، يوجل كيضرب ويجل كيلد باسقاط فاء الكلمة والمصدر : الوجل كالعسل ، وموجل كموعد.
(٥) لفظ (الكريم) يصف به العرب كل شيء حسن في بابه لا قبح فيه ولا شكوى منه.