تعالى رسوله أن يقول للمنافقين المستهزئين بالله وآياته ورسوله : أنتم أيها المنافقون كأولئك الذين كانوا من قبلكم في الاغترار بالمال والولد والكفر بالله والتكذيب لرسله حتى نزل بهم عذاب الله ومضت فيهم سنته في إهلاكهم هذا ما تضمنته الآية الكريمة إذ قال تعالى (كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ (١) كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوالاً وَأَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ) أي بنصيبهم الذي كتب لهم في الدنيا (فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ) أي بما كتب لكم في هذه الحياة الدنيا (كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) أي سواء بسواء (وَخُضْتُمْ) في الباطل والشر وبالكفر والتكذيب (كَالَّذِي خاضُوا) (٢) أي كخوضهم سواء بسواء أولئك الهالكون (حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) أي تلاشت وذهبت ولم ينتفعوا منها بشيء ، (وَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ). وبما أنكم أيها المنافقون تسيرون على منهجهم في الكفر والتكذيب والاغترار بالمال والولد فسوف يكون مصيركم كمصيرهم وهو الخسران المبين. وقوله تعالى في الآية الرابعة (٧٠) (أَلَمْ يَأْتِهِمْ (٣) نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْراهِيمَ وَأَصْحابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكاتِ أَتَتْهُمْ (٤) رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) أي الآيات الدالة على توحيد الله وصدق رسوله وسلامة دعوتهم كما جاءكم أيها المنافقون رسولنا محمد صلىاللهعليهوسلم بالبينات فكذبتم كما كذب الذين من قبلكم فنزل بهم عذاب الله فهلك قوم نوح بالطوفان وعاد بالريح العاتية ، وثمود بالصاعقة ، وقوم إبراهيم (٥) بسلب النعم وحلول النقم ، وأصحاب مدين بالرجفة وعذاب الظلمة ، والمؤتفكات (٦) بالمطر والإئتفاك أي القلب بأن أصبح أعالي مدنهم الثلاث (٧) أسافلها ، وأسافلها أعاليها ، وما ظلمهم الله تعالى بما أنزل عليهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ، وأنتم أيها المنافقون إن لم تتوبوا إلى ربكم سيحل بكم ما حل بمن قبلكم أو أشد لأنكم لم تعتبروا بما سبق.
__________________
(١) الكاف : في محل نصب أي : وعدكم الله أيها المنافقون والمنافقات كما وعد الذين من قبلكم نار جهنم تخلدون فيها.
(٢) الكاف : في محل نصب نعت لمصدر محذوف أي : وخضتم خوضا كالذي خاضوا أي : في الباطل والشر والفساد.
والذي بمعنى الجمع ، ويجوز أن يكون الذين محذوف النون على لغة هذيل قال شاعرهم :
وإن الذي حانت بفلج دماؤهم |
|
هم القوم كل القوم يا أم خالد |
(٣) الاستفهام للتقرير ، والتحذير بمعنى : ألم يسمعوا بإهلاكنا الكفار من قبلهم؟
(٤) أي بدلائل الحق والصدق ، والجملة تعليلية.
(٥) هم نمرود بن كنعان وقومه.
(٦) قوم لوط عليهالسلام.
(٧) تقدمت أسماء هذه المدن قريبا.