(الْمُطَّوِّعِينَ) : أي المتصدقين بأموالهم زيادة على الفريضة.
(إِلَّا جُهْدَهُمْ) : إلا طاقتهم وما يقدرون عليه فيأتون به.
(فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ) : أي يستهزئون بهم احتقارا لهم.
(اسْتَغْفِرْ لَهُمْ) : أي اطلب لهم المغفرة أو لا تطلب.
(لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) : أي إلى ما فيه خيرهم وسعادتهم وذلك لتوغلهم في العصيان.
معنى الآيتين :
ما زال السياق في التنديد بالمنافقين وكشف عوارهم فقد أخبر تعالى أن (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ (١) الْمُطَّوِّعِينَ (٢) مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ (٣) فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ). أخبر تعالى أنه سخر منهم جزاء سخريتهم بالمتصدقين وتوعدهم بالعذاب الأليم. وكيفية لمزهم المتطوعين أن النبي صلىاللهعليهوسلم دعا إلى الصدقة فإذا جاء الرجل بمال كثير لمزوه وقالوا مراء ، وإذا جاء الرجل بالقليل لمزوه وقالوا : الله غني عن صاعك هذا فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية ففضحهم وسخر منهم وتوعدهم بأليم العذاب وأخبر نبيه أن استغفاره لهم وعدمه سواء فقال (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ (٤) أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) وبين علة ذلك بقوله (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ،) وهذه العلة كافية في عدم المغفرة لهم لأنها الكفر والكافر مخلد في النار. وأخبر تعالى أنه حرمهم الهداية فلا يتوبوا فقال (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) لأن الفسق قد أصبح وصفا لازما لهم فلذا هم لا يتوبون ، وبذلك حرموا هداية الله تعالى.
__________________
(١) أخرج مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : أمرنا بالصدقة فكنا نحامل على ظهورنا فتصدق أبو عقيل بنصف صاع ، قال : وجاء انسان بشيء أكبر منه فقال المنافقون إنّ الله لغني عن صدقة هؤلاء ، وما فعل هذا الآخر إلّا رياء فنزلت : (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ ..) الآية.
(٢) أصل المطوّعين : المتطوعين ادغمت التاء في الطاء لقرب مخرجيهما وهم : الذين يفعلون الشيء تبرعا من غير أن يجب عليهم.
(٣) الجهد : شيء قليل يعيش به المقل والجهد والجهد بالفتح أيضا : الطاقة والسخرية : الاستهزاء ، وعاملهم الله تعالى بالمثل فسخر منهم وهم لا يشعرون.
(٤) بيد أنه لما نزلت الآيات الفاضحة للمنافقين جاء بعضهم يعتذرون ويطلبون من الرسول صلىاللهعليهوسلم أن يستغفر لهم فاستغفر لهم رحمة بهم فأعلمه ربّه تعالى أنّ استغفاره لهؤلاء المنافقين مهما بلغ من الكثرة لا ينفعهم وذلك لكفرهم ونفاقهم وفسقهم.