والآخرة قال تعالى (وَأُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ) (١) أي في الدنيا بالانتصارات والغنائم وفي الآخرة بالجنة ونعيمها ورضوان الله فيها. وقال (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) أي الفائزون بالسلامة من كل مرهوب وبالظفر بكل مرغوب وفسر تعالى تلك الخيرات وذلك الفلاح بقوله في الآية (٨٩) فقال (أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها) وأخبر عما أعد لهم من ذلك النعيم المقيم بأنه الفوز فقال (ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ). هذا ما دلت عليه الآيات الأربع أما الآية الخامسة (٩٠) فقد تضمنت إخبار الله تعالى عن منافقي الأعراب أي البادية ، فقال تعالى (وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ) (٢) أي المعتذرون ادغمت التاء في الذال فصارت المعذرون من الأعراب أي من سكان البادية كأسد وغطفان ورهط عامر بن الطفيل جاءوا يطلبون الإذن من رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالتخلف بدعوى الجهد والمخمصة ، وقد يكونون معذورين حقا وقد لا يكونون كذلك. وقوله (وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) في دعوى الإيمان بالله ورسوله وما هم بمؤمنين بل هم كافرون منافقون ، فلذا قال تعالى فيهم (سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) في الدنيا وفي الآخرة ، إن ماتوا على كفرهم.
هداية الآيات
من هداية الآيات :
١ ـ القرآن هو مصدر التشريع الإلهي الأول والسنة الثاني.
٢ ـ مشروعية الاستئذان للحاجة الملحة.
٣ ـ حرمة الاستئذان للتخلف عن الجهاد مع القدرة عليه.
٤ ـ حرمة التخلف عن الجهاد بدون إذن من الإمام.
٥ ـ فضل الجهاد بالمال والنفس في سبيل الله.
٦ ـ بيان عظم الأجر وعظيم الجزاء لأهل الإيمان والجهاد.
__________________
(١) الخيرات : جمع خير على غير قياس كسرادقات ، وحمامات جمع سرادق وحمام.
(٢) (الْمُعَذِّرُونَ) هذا اللفظ صالح لأن يكون المراد به المعتذرون لعلل قامت بهم وصالح لأن يكون المراد به المعذرون وهم الذين لا عذر لهم ويعتذرون بغير حق موجب للعذر يقال : عذر فلان : إذا قصّر في الواجب واعتذر بدون عذر قام به. وهذا من بلاغة القرآن ، اللفظ الواحد منه يحتمل وجهين وكلاهما حق ومراد.