وقوله تعالى (وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى) هذا قولهم لما حرق عليهم المسجد وهدم وانفضح أمرهم حلفوا ما أرادوا ببنائه إلا الحالة التي هي حسنى لا سوء فيها إذ قالوا بنيناه لأجل ذي العلة ولليلة المطيرة. وقوله تعالى (وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) تفنيد لقولهم وتقرير لكذبهم. وقوله تعالى (لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً) (١) نهي للرسول صلىاللهعليهوسلم أن يصلى لهم فيه كما واعدهم وهو ذاهب إلى تبوك. وقوله تعالى (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ (٢) عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ) وهو مسجده صلىاللهعليهوسلم ومسجد قباء إذ كل منهما أسس من أول يوم على تقوى من الله ورضوان أي على خوف من الله وطلب رضاه ، وقوله تعالى (فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ) ثناء على أهل قباء بخير واخبار أنهم يحبون أن يتطهروا (٣) من الخبث الحسّى والمعنوى فكانوا يجمعون فى الاستنجاء بين الحجارة والماء فأثنى الله تعالى عليهم بذلك ، وقوله تعالى (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللهِ وَرِضْوانٍ) أى على مخافة من الله وطلب لرضاه خير أمن أسس بنيانه على شفا أي طرف جرف هار أي مشرف على السقوط ، والجرف (٤) ما يكون في حافة الوادي من أرض يجرف السيل من تحتها التراب وتبقى قائمة ولكنها مشرفة على السقوط ، وقوله تعالى (فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ) أي سقط به ذلك الجرف في نار جهنم والعياذ بالله تعالى ، هذا حال أولئك المنافقين الذين بنوا مسجد الضرار. وقوله تعالى (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) أي لا يهديهم إلى ما يكملون به ويسعدون أي يحرمهم هدايته فيخسرون دنيا وأخرى وقوله تعالى (لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ) (٥) أي شكا واضطرابا في نفوسهم (إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ (٦) قُلُوبُهُمْ) فيهلكوا والشك في قلوبهم أي فكان هذا البناء الظالم سببا في تأصل النفاق
__________________
(١) أي : (لا تَقُمْ فِيهِ) للصلاة. يقال : فلان قائم يصلي. و (أَبَداً) معناه في أي وقت من الأوقات مطلقا. فأبدا : لفظ يفيد التأبيد المطلق.
(٢) (أُسِّسَ) أي : وضعت أسسه وبنيت جدره ورفعت قواعده إذ الأس : أصل البناء ، وكذلك الأساس ، والجمع أسس وآساس جمع إساس. قال الشاعر :
أصح الملك ثابت الآساس |
|
في البهاليل من بني العباس |
(٣) لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : (أهل قباء إن الله سبحانه قد أحسن الثناء عليكم فى التطهر فما تصنعون؟ قالوا : إنّا نغسل أثر الغائط والبول بالماء). رواه أبو داود. فكانوا يجمعون بين الاستجمار والاستنجاء مبالغة في التطهر ، وإن كان الاستجمار مجزئا تخفيفا على الأمة المسلمة.
(٤) الجرف : بالضم والإسكان كالرسل والرسل ، وأصله من الجرف والإجتراف وهو اقتلاع الشيء من أصله.
(٥) وقيل : الريبة هنا : الحسرة والندامة ، وحزازة وغيظا والكل صالح لدلالة اللفظ عليه.
(٦) أي : إلى أن تقطع قلوبهم بالموت أي : إلا أن يموتوا.