وقوله تعالى في الآية الثانية (٣٨) (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ) (١) أي بل يقول هؤلاء المشركون المجاحدون وهو قول في غاية السّخف والقباحة يقولون القرآن افتراه محمد ولم يكن بوحي أنزل عليه ، قل يا رسولنا متحديا إياهم أن يأتوا بسورة مثله. (٢) فإنهم لا يستطيعون وبذلك تبطل دعواهم ، وقل لهم ادعوا لمعونتكم على الإتيان بسورة مثل سور القرآن من استطعتم الحصول على معونتهم إن كنتم صادقين في دعواكم أن القرآن لم يكن وحيا من الله ، وإنما هو اختلاق اختلقه محمد رسول الله صلىاللهعليهوسلم. وقوله تعالى (بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ (٣) وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ) أي إن القضية ليست قضية أنهم ما استطاعوا أن يدركوا أن القرآن كلام الله ، وإنما القضية هي أنهم كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه من وعيد الله تعالى لهم بالعذاب ، ولما يأتهم بعد ما يؤول إليه الوعيد إذ لو رأوا العذاب ما كذبوا ، ولذا قال تعالى (كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي (حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا) كما في آية الأنعام. وهنا قال تعالى (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ) فقد أهلك تعالى الظلمة من قوم نوح بالغرق ومن قوم هود بريح صرصر ومن قوم صالح بالصيحة ومن قوم شعيب بالرجفة ومن أمم أخرى بما شاء من أنواع العذاب فهؤلاء إن لم يتوبوا واستمروا في تكذيبهم فسوف يحل بهم ما حل بغيرهم وما الله بغافل عما يعمل الظالمون.
هداية الآيات
من هداية الآيات :
١ ـ تقرير عقيدة الوحي وإثبات نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم.
٢ ـ من أدلة أن القرآن كلام الله تصديقه للكتب السالفة وعدم التناقض معها إذ هما من مصدر واحد وهو الله رب العالمين.
٣ ـ من أدلة القرآن على أنه وحي الله تحدى الله العرب بالإتيان بسورة واحدة في فصاحته
__________________
(١) (أَمْ يَقُولُونَ) أم هنا : هي المنقطعة التي تفسّر ببل ، والهمزة. أي : بل أيقول افتراه ، والاستفهام هنا للتقريع والتوبيخ.
(٢) هذا دليل على أن القرآن الكريم معجز ، وهو كذلك معجز بألفاظه ومعانيه معا.
(٣) (بل كذّبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله). هذا الكلام الإلهي يحتمل معنيين صحيحين. الأول : هو ما في التفسير ، والثاني : المراد بما لم يحيطوا بعلمه : القرآن الكريم ، فهم لم يتدبروه ، ولم يفهموا ما يدعو إليه وكذبوا به عن جهل مع العناد والمكابرة فما في قوله : (بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ) اسم موصول المراد به : القرآن الكريم أمّا على المعنى الأول فإن المراد به العذاب الذي كذّبوا به ، ولم يحل بهم بعد.