إذ لو علموا أن العذاب كائن لا محالة وعلموا مقدار هذا العذاب ما كفروا به وقوله تعالى (هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) يخبر تعالى عن نفسه أنه يحيي ويميت ومن كان قادرا على الإحياء والإماتة فهو قادر على كل شيء ، ومن ذلك إحياء الكافرين بعد موتهم وحشرهم إليه ومجازاتهم على ما كسبوا من شر وفساد وقوله (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) تقرير مبدأ المعاد الآخر. بعد هذه التقريرات لقضايا العقيدة الثلاث : التوحيد ، والنبوة ، والبعث والجزاء نادى الله تعالى العرب والعجم سواء قائلا (يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ (١) مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) وكل من الموعظة التي هي الأمر والنهي بأسلوب الترغيب والترهيب والشفاء والهدى والرحمة قد حواها القرآن الكريم كأنه قال يا أيها الناس وفيكم الجاهل والفاسق والمريض بالشرك والكفر والضال عن الحق ، والمعذب في جسمه ونفسه قد جاءكم القرآن يحمل كل ذلك لكم فآمنوا به واتبعوا النور الذي يحمله وتداووا به واهتدوا بنوره تشفوا وتكملوا عقلا وخلقا وروحا وتسعدوا في الحياتين معا.
وقوله تعالى (قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ (٢) فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) أي بلّغهم يا رسولنا آمرا إياهم بأن يفرحوا (٣) بالإسلام وشرائعه والقرآن وعلومه فإن ذلك خير مما يجمعون من حطام الدنيا الفاني ، وما يعقب من آثار سيئة لا تحتمل ولا تطاق.
هداية الآيات
من هداية الآيات :
١ ـ عظم عذاب يوم القيامة حتى إن الكافر ليود أن يفتدى منه بما في الأرض جميعا.
٢ ـ تقرير ربوبية الله تعالى لسائر المخلوقات في العالمين العلوي والسفلي.
٣ ـ الإشادة بفضل القرآن وعظمته لما يحمله من المواعظ والهدى والرحمة والشفاء.
٤ ـ يستحب الفرح بالدين ويكره الفرح بالدنيا.
__________________
(١) المراد بالموعظة وما بعدها من الصفات القرآن الكريم إذ هو الجامع لكل ما ذكر ، وإنّما عطفت المذكورات لتأكيد المدح. كقول الشاعر :
إلى الملك القوم وابن الهمام |
|
وليث الكتيبة في المزدحم |
(٢) قال أبو سعيد الخدري وابن عباس : فضل الله : القرآن ، ورحمته الإسلام ، وصحّت الإشارة بذلك إلى الاثنين لأنّ العرب تشير بذلك إلى المفرد والمثنى والجمع.
(٣) روي أن من هداه الله للإسلام وعلمه القران ثم شكا الفاقة (الفقر) كتب الله الفقر بين عينيه إلى يوم يلقاه ثم تلا : (قُلْ بِفَضْلِ اللهِ) الآية.