قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ) هذا بيان سنة الله تعالى في البشر وهي أن العبد إذا أذنب وواصل الذنب بدون توبة يصبح الذنب طبعا من طباعه لا يمكنه أن يتخلى عنه ، وما الذنب إلا اعتداء على حدود الشارع فمن اعتدى واعتدى وواصل الاعتداء حصل له الطبع وكان الختم على القلب فيصبح لا يقبل الإيمان ولا يعرف المعروف ولا ينكر المنكر. وقوله تعالى : (ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى وَهارُونَ) (١) أي من بعد الأمم الهالكة بعثنا رسولينا موسى وهرون ابني عمران إلى فرعون وملئه بآياتنا المتضمنة الدليل على صحة مطلب رسولينا وهو توحيد الله وإرسال بني اسرائيل معهما ، (فَاسْتَكْبَرُوا) أي فرعون وملؤه (وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ) حيث أفسدوا القلوب (٢) والعقول وسفكوا الدماء وعذبوا الضعفاء يقول تعالى عنهم (فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ) أي لما بهرتهم المعجزات وهي آيات موسى وأبطلت إفكهم قالوا إن هذا لسحر مبين تخلصا من الهزيمة التي لحقتهم ، فرد موسى عليهم بقوله (أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ) هذا سحر (٣) ثم بعد توبيخهم استدل على بطلان قولهم بكونه انتصر عليهم فأفلح بينهم وفاز عليهم فقال : (أَسِحْرٌ هذا وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ) فلو كان ما جئت به سحرا فكيف أفلحت في إبطال سحركم وهزيمة سحرتكم. فلما أفحمهم بالحجة قالوا مراوغين : (أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا) أي تصرفنا (عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا ، وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ) أي وتكون لكما السيادة والملك في أرض مصر فسلكوا مسلك الاتهام السياسي. وقالوا (وَما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ) أي بمصدقين ولا متبعين.
هداية الآيات
من هداية الآيات :
١ ـ بيان سنة الله في البشر وهي أن التوغل في الشر والفساد والظلم يوجب الختم على
__________________
(١) أي : من بعد الرسول والأمم إذ لكل أمّة رسول.
(٢) أفسدوا القلوب بالشرك والكفر والعقول بالسحر والأباطيل وسفكوا الدماء بقتل ذكران بني اسرائيل الصغار (المواليد).
(٣) مفعول (أَتَقُولُونَ) محذوف لدلالة الكلام عليه وهو : إن هذا لسحر مبين وتقدير الكلام أنهم لما قالوا في الآيات لسحر مبين رد عليهم موسى بقوله : أتقولون للحق لما جاءكم هذا. أسحر هذا؟ أي كيف يكون هذا الذي جئتكم به من الآيات سحرا؟ والساحر لا يفلح وقد أفلحت فبطل أن يكون ما جئتكم به من الآيات سحرا للحق : اللام يسميها بعضهم لام المجاوزة فهي بمعنى عن أي : تقولون عن الحق كذا. والظاهر أنها لام التعليل.