الْمُسْرِفِينَ) (١) في الظلم فلذا خافوه لما آمنوا ، ولما ظهر الخوف على بني إسرائيل قال لهم موسى (يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ) (٢) ففوضوا أمركم إليه إن كنتم حقا مسلمين لله منقادين لأمره ونهيه ، فأجابوا قائلين : (عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا) وسألوا الله تعالى أن لا يفتن قوم فرعون بهم بأن ينصرهم عليهم فيزدادوا كفرا وظلما ، وضمن ذلك أن لا تسلط الظالمين علينا فيفتنونا في ديننا بصرفنا عنه بقوة التعذيب (رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ، وَنَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) وهذا حسن توسل منهم إذا قالوا برحمتك فتوسلوا إلى الله برحمته ليستجيب دعاءهم ، والمراد من القوم الكافرين هنا فرعون وملأه. وقوله تعالى : (وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ) أي هارون (أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما) (٣) أي من بني إسرائيل (بِمِصْرَ) أي بأرض مصر (٤) (بُيُوتاً ، وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً) (٥) أي متقابلة ومساجد (٦) تصلون فيها (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) على الوجه الذي شرع لكم. وهذا بناء على أن بني إسرائيل بعد الانتصار على فرعون أخذوا ينحازون من مجتمع فرعون فأمروا أن يكونوا حيا مستقلا استعدادا للخروج من أرض مصر فأمرهم الرب تبارك وتعالى أن يجعلوا بيوتهم قبلة أي متقابلة ليعرفوا من يدخل عليهم ومن يخرج منهم وليصلوا فيها كالمساجد حيث منعوا من المساجد إما بتخريبها وإما بمنعهم منها ظلما وعدوانا وقوله تعالى (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) أي وبشر يا رسولنا (٧) المؤمنين الصادقين في إيمانهم الكاملين فيه بحسن العاقبة بكرامة الدنيا وسعادة الآخرة بدخول دار السّلام.
__________________
(١) (الْمُسْرِفِينَ) : أي المجاوزين الحد في الكفر لأنه كان عبدا فادعى الربوبية.
(٢) كرر جملة الشرط تأكيدا ، مبيّنا أنّ كمال الإيمان يقتضي التوكل على الله تعالى.
(٣) أي : اتخذا ، يقال : بوّأه الدار : أنزله إيّاها وأسكنه فيها. وفي الحديث (من كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار) أي : فلينزله ملازما له.
(٤) قيل : المراد بمصر : الأسكندرية.
(٥) في الآية دليل على جواز صلاة الخائف المكتوبة في بيته ، أمّا النافلة فهي في البيوت أفضل لقول الرسول صلىاللهعليهوسلم (فعليكم بالصلاة في بيوتكم فإنّ خير صلاة المرء في بيته إلّا المكتوبة).
(٦) في هذا جمع بين رأيين. الأول : أن المراد من كلمة قبلة : أنها مساجد والثاني : أنها متقابلة ليتم لهم بذلك حمايتهم من عدوهم بعد أن استقلوا عنه.
(٧) هو موسى عليهالسلام ، بدليل السياق الكريم.