معنى الآيات :
يقرر تعالى نبوة رسوله (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ (١) الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ) أحبار اليهود ورهبان النصارى فإنهم يعرفون نعوتك وصفاتك في التوراة والإنجيل وإنك النبي الخاتم والمنقذ وأن من آمن بك نجا ومن كفر هلك وهذا من باب الفرض وليكون تهييجا للغير ليؤمن وإلا فهو صلىاللهعليهوسلم قد قال : (لا أشك ولا أسأل) وقوله (لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ) ، يقسم تعالى لرسوله بأنه قد جاءه الحق من ربه وهو الحديث الثابت بالوحي الحق وينهاه أن يكون من الممترين أي الشاكين في صحة الإسلام ، وأنه الدين الحق الذي يأبى الله إلا أن يظهره على الدين كله ولو كره المشركون. وقوله (وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ) أي وينهاه أيضا أن يكون من الذين كذبوا بوحي الله وشرعه ورسوله المعبر عنها بالآيات لأنها حاملة لها داعية إليها ، فتكون من الخاسرين يوم القيامة. وهذا كله من باب «إياك أعني واسمعي يا جاره» وإلا فمن غير الجائز أن يشك الرسول أو يكذب بما أنزل عليه من الآيات الحاملة من الشرائع والأحكام. وقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ) هو كما أخبر عزوجل فالذين قضى (٢) الله بعذابهم يوم القيامة فكتب ذلك في كتاب المقادير عنده هؤلاء لا يؤمنون أبدا مهما بذل في سبيل إيمانهم من جهد في تبيين الحق وإقامة الأدلة وإظهار الحجج عليهم وفي هذا تسلية لرسول الله صلىاللهعليهوسلم من جراء ما يألم له ويحزن من إعراض كفار قريش وعدم استجابتهم وقوله (وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ) تأكيد للحكم السابق وهو أن الذي حكم الله بدخولهم النار لا يؤمنون ولا يموتون إلا كافرين لينجز الله ما وعد ويمضي ما قضى وحكم. وقوله : (حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) أي يستمرون على كفرهم بك وبما جئت به حتى يشاهدوا العذاب الأليم وحينئذ يؤمنون كما آمن فرعون عند ما أدركه الغرق ولكن لم ينفعه إيمانه فكذلك هؤلاء المشركون من
__________________
(١) لا حاجة إلى طلب حلول بعيدة لحلّ ما في ظاهر الآية من إشكال ، إذ لهذه الآية نظير وهو قوله تعالى : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) معنى الآية : أنّ الله تعالى يوجه الخطاب إلى رسوله ، وأحبّ الخلق إليه ليكون غيره من باب أولى ألف مرة ومرّة وإلّا فالرسول صلىاللهعليهوسلم لا يشك ولا يسأل وكيف يشك ويسأل وهو يتلقى الوحي من ربّه؟ وقد قال وقت ما نزلت الآية : (لا أشك ولا أسأل) ، وتوجيهنا للآية في التفسير في غاية الوضوح ، والحمد لله.
(٢) إن قيل : كيف يعذبهم لمجرد أن كتب ذلك عليهم؟ قلنا في الجواب إنه ما كتب شقوة نفس أو سعادة أخرى حتى علم ما ستفعله النفس باختيارها من كفر أو إيمان أو خير أو شر.