أنهم لا يؤمنون حتى ينتهوا إلى ما قدر لهم وما حكم به عليهم من عذاب الدنيا والآخرة ولكن لما كان علم ذلك إلى الله تعالى فعلى النذر أن تدعو وتبلغ جهدها والأمر لله من قبل ومن بعد. وقوله : (فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ (١) خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ) أي إنهم ما ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلفوا من قبلهم من قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم دعتهم رسلهم وبلغتهم دعوة ربهم إليهم إلى الإيمان والتوحيد والطاعة فأعرضوا فأخذهم الله إنه قوي شديد العقاب.
ثم أمر الله تعالى رسوله أن يقول لهم (فَانْتَظِرُوا) (٢) أي ما كتب عليكم من العذاب إن لم تتوبوا إليه وتسلموا (إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) فإن كان العذاب فإن سنة الله فيه أن يهلك الظالمين المشركين المكذبين وينجي رسله والمؤمنين وهو معنى قوله تعالى (٣) في الآية الأخيرة (١٠٣) (ثُمَّ نُنَجِّي (٤) رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا ، كَذلِكَ) أي الإنجاء (حَقًّا عَلَيْنا (٥) نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ).
هداية الآيات
من هداية الآيات :
١ ـ لا تنفع الموعظة مهما بولغ فيها عبدا كتب أزلا أنه من أهل النار.
٢ ـ ما ينتظر الظلمة في كل زمان ومكان إلا ما حل بمن ظلم من قبلهم من الخزي والعذاب.
٣ ـ وعد الله تعالى ثابت لأوليائه بإنجائهم من الهلاك عند إهلاكه الظلمة المشركين.
(قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَلكِنْ أَعْبُدُ اللهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ
__________________
(١) المراد من الأيام : العذاب الذي يقع فيها ، ويقال فيها الوقائع وهو نحو قولهم : أيام العرب ، فلان عالم بأيام العرب أي : ما جرى فيها من أحداث ومنه قوله تعالى : (وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ) أي : بالعذاب الذي وقع فيها
(٢) الجملة مستأنفة استئنافا بيانيا لأنها واقعة موقع جواب سؤال تقديره : نحن أولاء منتظرون وأنت ما ذا تفعل؟
(٣) (حَقًّا عَلَيْنا) جملة معترضة لأن المصدر يدل على الفعل ، والتقدير أي : حق ذلك علينا حقا أي : أحققناه حقا علينا ،
(٤) (نُنَجِّي) قرىء بالتخفيف ، والتشديد ، والمعنى واحد ، وفي المصحف ننج بدون ياء لالتقاء الساكنين.
(٥) إن انتظار العذاب منذر بنزوله قريبا بديارهم والرسول معهم فمن هنا عطف جملة (ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا) فأعلمهم بنجاة الرسل فكانت بشرى للرسول والمؤمنين.