تَفِيضُ (١) مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ) فالمعنيّ بها من أسلم من النصارى بمجرد أن تلي عليهم القرآن وسمعوه كأصحمة النجاشى وجماعة كثيرة ومعنى قولهم (فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ) أنهم بعد ما سمعوا القرآن تأثروا به فبكوا من أجل ما عرفوا من الحق وسألوا الله تعالى أن يكتبهم مع الشاهدين ليكونوا معهم في الجنة ، والشاهدون هم الذين شهدوا لله تعالى بالوحدانية ولنبيه بالرسالة ، وأطاعوا الله ورسوله من هذه الأمة وقولهم : (وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللهِ وَما جاءَنا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا مَعَ (٢) الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ) فإن معناه : أي شيء يمنعنا من الإيمان بالله ربا وإلها واحدا لا شريك له ولا ولد ولا والد. وبما جاء من الحق في توحيده تعالى ونبّوة رسوله محمد صلىاللهعليهوسلم ، ومن الطمع في أن يدخلنا ربنا الجنة مع الصالحين من هذه الأمة. ولما قالوا هذا أخبرهم تعالى أنه أثابهم به (جَنَّاتٍ (٣) تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها) ، وأخبر تعالى أن ذلك الجزاء الذي جزاهم به هو (جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ) وهم الذين أحسنوا القول والعمل مع سلامة عقائدهم ، وطهارة أرواحهم حيث لم يتلوثوا بالشرك والمعاصي ثم أخبر تعالى بأن الذين كفروا (٤) بالله إلها واحدا وبرسوله نبيا ورسولا ، وكذبوا بآياته القرآنية أولئك البعداء هم أصحاب (٥) الجحيم الذين لا يفارقونها أبدا.
هداية الآيات
من هداية الآيات :
١ ـ عظم عداوة اليهود والمشركين للإسلام والمسلمين.
٢ ـ قرب النصارى الصادقين في نصرانيتهم من المسلمين.
٣ ـ فضيلة التواضع ، وقبح الكبر.
__________________
(١) تفيض أعينهم من الدمع أي بالدمع : وحروف الجرّ تتناوب قال امرؤ القيس :
ففاضت دموع العين مني صبابة |
|
على النحر حتى بلّ دمعي محملي |
أي غلاف السيف.
(٢) في الكلام إضمار أي : ونطمع أن يدخلنا ربنا الجنة مع القوم الصالحين ، وهم أمّة محمد صلىاللهعليهوسلم الصادقين الصالحين.
(٣) دلّ هذا الجزاء الحسن على إخلاص إيمانهم وصدق مقالهم إذ به أجاب الله سؤالهم وحقق طمعهم ورجاءهم وهكذا كلّ من خلص إيمانه وصدق يقينه يكون ثوابه الجنة.
(٤) في هذا احتراس إذ ما كلّ النصارى آمنوا لما سمعوا القرآن وبكوا وسألوا الله في صدق وآمنوا وعملوا الصالحات فأثابهم الله الجنة ، لا بل منهم الذين كفورا وكذبوا وهم الأكثرون فجزاؤهم الجحيم يلازمونها أبدا لظلمة قلوبهم وخبث نفوسهم.
(٥) يقال : نار جحمة على وزن نجمة أي : شديدة اللهب قال شاعر الحماسة الطائي :
نحن حبسنا بني جديلة في |
|
نار من الحرب جحمة الضرم |