ما أخبر به تعالى عنه في قوله : (فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا) أي يئسوا (خَلَصُوا نَجِيًّا) (١) أي اعتزلوا يتناجون في قضيتهم (قالَ كَبِيرُهُمْ) وهو روبيل مخاطبا إياهم (٢) (أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَباكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً) يذكرهم بالميثاق الذي أخذه يعقوب عليهم لما طلبوا منه أن يرسل معهم بنيامين لأن عزيز مصر طلبه. (وَمِنْ قَبْلُ ما فَرَّطْتُمْ فِي (٣) يُوسُفَ) أي وذكرهم بتفريطهم في يوسف يوم ألقوه في غيابة الجب وباعوه بعد خروجه من الجب. ومن هنا قال لهم ما أخبر تعالى به : (فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ) أي أرض مصر حتى يأذن لي أبي بالرجوع إليه (أَوْ يَحْكُمَ اللهُ لِي) بما هو خير (٤) (وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ).
ولما أقنعهم بتخلفه عنهم أخذ يرشدهم إلى ما يقولونه لوالدهم وهو ما أخبر تعالى به في قوله عنه : (ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ (٥) وَما شَهِدْنا إِلَّا بِما عَلِمْنا) (٦) أي حيث رأينا الصواع يستخرج من رحل أخينا (وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ) أي ولو كنا نعلم أن أخانا يحدث له هذا الذي حدث ما أخذناه معنا. كما أننا ما شهدنا بأن السارق يؤخذ بالسرقة إلا بما علمنا منك (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها) (٧) وهي عاصمة مصر (وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها) إذ فيها كنعانيون من جيرانك (وَإِنَّا لَصادِقُونَ) في كل ما أخبرناك به. هذا ما أرشد به روبيل إخوته ، ولما ذهبوا به واجتمعوا بأبيهم وحدثوه بما علمهم روبيل أن يقولوه فقالوه لأبيهم. رد عليهم يعقوب عليهالسلام بما أخبر تعالى به عنه في قوله : (قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً) أي زينت لكم أنفسكم أمرا ففعلتموه (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) أي فصبري على ما أصابني صبر جميل لا جزع فيه ولا شكاية لأحد غير الله (عَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً) أي يوسف
__________________
(١) لفظ نجي : يطلق على الواحد والجماعة كلفظ عدو ، ويجمع على أنجية قال الشاعر :
إني إذا ما القوم كانوا أنجية |
|
واضطرب القوم اضطراب الأدشية. |
هناك أوصيني ولا توصي بيه |
(٢) قيل : هو شمعون إذ كان أكبرهم في الرأي ، وقيل : يهوذا وكان أعقلهم. وقيل : هو لاوى وهو أبو الأنبياء.
(٣) (فَلَمَّا) : مصدرية أي : تفريطكم في يوسف ، والجملة معترضة.
(٤) بأن يطلق سراح أخي فأمضي معه إلى أبينا ، أو يحكم الله لي بالسيف فأحارب حتى أخلّص أخي ، أو أغلب فأعذر إذ قال والدي : إلّا أن يحاط بكم.
(٥) قرأ ابن عباس والضحّاك وأبو رزين سرّق بتشديد الراء والبناء للمجهول أي : نسب إلى السرقة ورمى بها ، السرق : بفتح السين والراء : مصدر سرق والسّرق والسرقة : اسم الشيء المسروق.
(٦) في الآية دليل على مشروعية الشهادة بأي وجه حصل العلم بالبصر ، بالسمع باللمس إذ الشهادة مرتبطة بالعلم عقلا وشرعا ، وفي الحديث : (ألا أخبركم بخير الشهداء؟ خير الشهداء الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها).
(٧) المراد : أهل القرية إذ العادة أن القرية لا تنطق ، ولو قال : أحد كلّم هندا وهو يريد غلامها لما جاز.