بما صنعوا به من إلقائه في الجب وبيعه عبدا وبذلك فرقوا بينه وبين والده وأخيه شقيقه وقوله : (إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ) أي بما يصير إليه أمر يوسف وهنا قالوا في اندهاش وتعجب : (أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ) فأجابهم قائلا بما أخبر تعالى به عنه (قالَ أَنَا يُوسُفُ (١) وَهذا أَخِي قَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا) أي أنعم علينا فجمع بيننا على أحسن حال ثم قال : (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ) أي يتق الله يخافه فيقيم فرائضه ويتجنب نواهيه ويصبر على ذلك وعلى ما يبتليه به (فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) (٢) أي في طاعة ربهم والإسلام له ظاهرا وباطنا. وهنا قالوا له ما أخبر به تعالى عنهم : (قالُوا تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنا) (٣) أي بالعلم والعمل والفضل (وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ) فيما فعلنا بك ، فكان هذا توبة منهم فقال لهم : (لا تَثْرِيبَ (٤) عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ) أي لا عتب ولا لوم ولا ذكر لما صنعتم لأنه يؤذي (يَغْفِرُ (٥) اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) سأل الله تعالى له ولهم المغفرة وأثنى على الله تعالى بأنه أرحم الراحمين متعرضا لرحمته تعالى له ولإخوته. ثم سألهم عن والده فأخبروه أنه قد عمي من الحزن عليه فقال : (اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً) (٦) أي يرجع بصيرا كما كان (وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ) (٧) يريد أبويه والنساء والأطفال والأحفاد. وهو تحول كامل للأسرة الشريفة من أرض كنعان إلى أرض مصر تدبيرا من الله العزيز الحكيم.
هداية الآيات
__________________
(١) الجملة تعليلية ، والمعلل له محذوف هو جواب الشرط تقديره : ينعم الله تعالى عليه وينصره ويكرمه ، فإن الله لا يضيع أجر المحسنين.
(٢) آثره بكذا : إذا فضّله به ، والمصدر : الإيثار ، واسم الفاعل مؤثر.
(٣) التثريب : التوبيخ ، والتقريع ، واللوم ، وفي الحديث الصحيح : (إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحدّ ولا يثرّب عليها) أي : لا يعيّرها. قال الشاعر :
فعفوت عنهم غير مثرّب |
|
وتركتهم لعقاب يوم سرمد |
(٤) لا يصحّ تعليق اليوم بيغفر الله إذ لا يعلم الغفران متى يتم لهم فكيف يصح أن يقال : يغفر الله لكم اليوم أو غدا؟ بل يتعلق اليوم بكلمة لا تثريب.
(٥) قال عطاء الخرساني : طلب الحوائج من الشباب أسهل منها من الشيوخ ألم تر إلى قول يوسف : يغفر الله لكم. وقال يعقوب : سوف استغفر لكم ربي.
(٦) لا شك أنّ هذا العلم حصل ليوسف بوحي من الله تعالى ، ولعل يوسف نبىء ساعتئذ وأراد يوسف بإلقاء القميص على وجه أبيه المفاجأة السارة لتكون سببا في رجوع البصر.
(٧) قال مسروق : كانوا ثلاثة وتسعين نسمة ما بين رجل وامرأة.