في حب يوسف. وواصلت العير سيرها وبعد أيام وصلت وجاء يهودا يحمل القميص فألقاه على وجه يعقوب فارتد بصيرا كما أخبر يوسف إخوته بمصر. وهنا واجه أبناءه بالخطاب الذى أخبر تعالى به في قوله : (قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) أي أعلم من لطف الله وحسن تدبيره ورحمته وإفضاله ما لا تعلمون. وهنا طلبوا من والدهم أن يعفو عنهم ويستغفر لهم ربهم فقالوا ما أخبر تعالى به : (قالُوا يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ ، قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ). أجّل لهم طلب المغفرة إلى ساعة الاستجابة كآخر الليل وقت السحر أو يوم الجمعة. وتنفيذا لأمر يوسف إخوته بأن يأتوه بأهلهم أجمعين تحملت الأسرة بسائر أفرادها مهاجرين إلى مصر. وكان يوسف وملك مصر وألوف من رجال الدولة وأعيان البلاد في استقبالهم ، وكان يوسف قد ضربت له خيمة أو فسطاط ، ووصلت المهاجرة إلى مشارف الديار المصرية وكان يوسف في فسطاطه (فَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ) أي ضمّهما إلى موكبه (وَقالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ) ولما انتهوا إلى القصر ودخلوا (وَرَفَعَ) يوسف (أَبَوَيْهِ) أمه وأباه (عَلَى الْعَرْشِ) سرير الملك (وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً) تحية وتشريفا. (١) وهنا قال يوسف (يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا) إذ رأى في صباه أن أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رآهم له ساجدين. وقوله (وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي (٢) مِنَ السِّجْنِ وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ (٣) مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي) هذا ثناء على الله بنعمه وتذكير للحاضرين بالحادثة والطاف الله تعالى فيها. ومن كرم نفس يوسف وسمو آدابه لم يقل قد أحسن بي إذ أخرجني من الجب فيذكرهم بما يؤلمهم بل قال من السجن. ويعني بقوله وجاء بكم من البدو أي من أرض كنعان. ونسب الإساءة التي كانت من إخوته إلى الشيطان تلطيفا للجو ومبالغة في إذهاب الهم من نفس إخوته ، وختم حديث النعمة في أعظم فرحة (إِنَّ رَبِّي (٤) لَطِيفٌ لِما يَشاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ) أي بخلقه
__________________
(١) على عادة أهل ذلك الزمان ، وهو سجود تحية لا عبادة.
(٢) أحسن بي وإليّ بمعنى واحد أي قدم أي صنع إليّ معروفا. بجلب خير أو دفع ضير.
(٣) أي : البادية ، والبدو ضدّ الحضر ، والاسم مشتق من البدوّ الذي هو الظهور والنزغ عبارة عن ادخال الفساد في النفس ، شبه بنزغ الراكب الدابة وهو يريدها تسرع.
(٤) اللطف : التدبير الملائم ، واللطيف : صاحب اللّطف.