معنى الآية الكريمة :
هذا آخر الحديث عن قصة يوسف ، إنه بعد أن جمع الله تعالى شمله بكافة أفراد أسرته وفتح عليه من خزائن رحمته ما فتح ، وانقلبت الإحراقات : إحراقات الإلقاء في الجب ، والبيع رقيقا بثمن بخس ، وفتنة امرأة العزيز ، والسجن سبع سنين ؛ انقلبت إلى اشراقات ملكا ودولة ، عزا ورفعة ، مالا وثراء ، اجتماعا ووئاما ، وفوق ذلك العلم اللدنى والوحي الإلهي وتأويل الأحاديث. وبعد أن قبض الله تعالى والده وتاب على إخوته وهيأهم للنبوة ونبأهم. تاقت نفس يوسف إلى الملكوت الأعلى إلى الجيرة الصالحة إلى رفقة الأخيار آبائه الأطهار ابراهيم وإسحق ويعقوب رفع يديه إلى ربه وقال : (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ (١) الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي (٢) مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) واستجاب الله تعالى دعاءه فلم يلبث إلا قليلا حتى وافاه الأجل فارتحل والتحق بأبائه وصالحي إخوانه فسلام عليه وعليهم وعلى كل صالح في الأرض والسماء ، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
هداية الآية
من هداية الآية :
١ ـ مشروعية دعاء الله تعالى والتوسل إليه بأسمائه وصفاته.
٢ ـ مشروعية العزوف عن الدنيا والرغبة عنها عند حصولها والتمكن منها.
٣ ـ فضل الشوق إلى الله والحنين إلى رفقة الصالحين في الملكوت الأعلى.
٤ ـ مشروعية سؤال الموت إن لم يكن لضر أو ملل من العبادة ، أو رغبة في الراحة لحديث «لا يسألن أحدكم (٣) الموت لضر نزل به» وهو صحيح. ولكن شوقا إلى الله تعالى والالتحاق بالصالحين ، (٤) عزوفا عن هذه الدار وشوقا إلى الأخرى دار السّلام.
__________________
(١) (مِنَ) : للتبعيض ، إذ ملك مصر محدود ، ولم يملك يوسف على غيره ، ومن في قوله : (مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ) للجنس أولى مما تكون للتبعيض.
(٢) قال قتادة : لم يتمن الموت أحد نبي ولا غيره إلّا يوسف عليهالسلام حين تكاملت عليه النعّم ، وجمع له الشمل اشتياقا إلى لقاء ربه عزوجل ، وردّ الجمهور هذا وقالوا : إنّما تمنى الموت على الإسلام وما ذكرته في التفسير أرجح وأوضح.
(٣) في الصحيح عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : (لا يتمنينّ أحدكم الموت لضر نزل به فإن كان لا بد متمنيا فليقل : اللهم احيني ما كانت الحياة خير لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي) رواه مسلم.
(٤) قيل : كان عمره يوم مات : مائة عام وسبع سنين ، وخلف من الولد ثلاثة : افراثيم ، ومنشا ، ورحمة.