تُؤْفَكُونَ) أي فكيف يا للعجب تصرفون عن عبادته وتأليهه إلى تأليه وعبادة غيره. ويقول : (فالِقُ الْإِصْباحِ) (١) أي هو الله الذي يفلق ظلام الليل فيخرج منه ضياء النهار (وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً) : أي ظرف سكن وسكون وراحة تسكن فيه الأحياء من تعب النهار والعمل فيه ليستريحوا ، وقوله : (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً) (٢) أي وجعل الشمس والقمر يدوران في فلكيهما بحساب تقدير لا يقدر عليه إلا هو ، وبذلك يعرف الناس الأوقات وما يتوقف عليها من عبادات وأعمال وآجال وحقوق ثم يشير الى فعله ذلك فيقول : (ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ) الغالب على أمره (الْعَلِيمِ) بسائر خلقه وأحوالهم وحاجاتهم وقد فعل ذلك لأجلهم فكيف إذا لا يستحق عبادتهم وتأليههم؟ عجبا لحال بني آدم ما أضلهم؟!
ويقول تعالى في الآية الثالثة (٩٧) (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) هذه منة أخرى من مننه على الناس ومظهرا آخر من مظاهر قدرته حيث جعل لنا النجوم ليهتدي به مسافرونا في البر والبحر حتى لا يضلوا طريقهم فيهلكوا فهي نعمة لا يقدر على الإنعام بها إلا الله ، فلم إذا يكفر به ويعبد سواه؟ وقوله : (قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) يخبر به تعالى على نعمة أخرى وهي تفصيله تعالى للآيات وإظهارها لينتفع بها العلماء الذين يميزون بنور العلم بين الحق والباطل والضار والنافع ويقول في الآية الرابعة (٩٨) (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ) ـ أي خلقكم ـ (مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) هي آدم عليهالسلام ، فبعضكم مستقر في الأرحام و (٣) بعضنا مستودع في الأصلاب وهو مظهر من مظاهر إنعامه وقدرته ولطفه وإحسانه ، ويختم الآية بقوله (قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ) لتقوم لهم الحجة على ألوهيته تعالى دون ألوهية ما عداه من سائر المخلوقات لفهمهم أسرار الكلام وعلل الحديث ومغزاه.
ويقول في الآية (٩٩) (وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) وهو ماء المطر ويقول (فَأَخْرَجْنا
__________________
(١) الإصباح مصدر أصبح يصبح إصباحا أي يخرج النور من الظلام إذ نور الفجر يشق ظلمة الليل ويخرج عنها الصبح والإصباح أول النهار ويجمع الإصباح على أصباح بفتح الهمزة وقرىء به.
(٢) حسبانا أي بحساب يتعلق به مصالح العباد ، والحسبان جمع حساب مثل شهاب وشهبان أي جعل الله سير الشمس والقمر بحساب ولا يزيد ولا ينقص ويطلق الحسبان على النار كما في قوله تعالى (وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ) أي نارا.
(٣) قال عبد الله بن مسعود لها مستقر في الرحم ومستودع في الأرض التي تموت فيها وهذا على قراءة مستقر بفتح القاف بمعنى لها مستقر وأكثر المفسرين على ما جاء في التفسير أن المستقر ما كان في الرحم والمستودع ما كان في الصلب قال سعيد بن جبير قال لي ابن عباس هل تزوجت فقلت لا. قال فإن الله عزوجل يستخرج من ظهرك ما استودعه فيه. أما قوله تعالى (وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ) فالمستقر هو القبر مودع. فيه الإنسان إلى يوم القيامة.