(وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ) : أي آخر أمور الخلق مردها إلى الله تعالى الذي يثيب ويعاقب.
معنى الآيات :
ما زال السياق في إرشاد المؤمنين وتعليمهم وهدايتهم قوله تعالى : (إِنَ (١) اللهَ يُدافِعُ عَنِ (٢) الَّذِينَ آمَنُوا) أي يدفع عنهم غوائل المشركين ويحميهم من كيدهم ومكرهم. وقوله : (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ) (٣) تعليل وهم المشركين الذين صدوا رسول الله والمؤمنين عن المسجد الحرام وهم الخائنون لأماناتهم وعهودهم الكافرون بربهم ورسوله وكتابه وبما جاء به ، ولما كان لا يحبهم فهو عليهم ، وليس لهم. ومقابله أنه يحب كل مؤمن صادق في إيمانه محافظ على أماناته وعهوده مطيع لربه ، ومن أحبّه دافع عنه وحماه من أعدائه.
وقوله تعالى : (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ) باسم للفاعل أي القادرين على القتال ويقاتلون باسم المفعول وهما قراءتان أي قاتلهم المشركون هؤلاء أذن (٤) الله تعالى لهم في قتال أعدائهم المشركين بعد ما كانوا ممنوعين من ذلك لحكمة يعلمها ربهم ، وهذه أول آية في القرآن تحمل طابع الحرب بالإذن فيه للمؤمنين ، وقوله : (وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) طمأنهم على أنه معهم بتأييده ونصره وهو القدير على ذلك وقوله تعالى : (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍ) أي بدون موجب لإخراجهم اللهم إلا قولهم (٥) : ربنا الله وهذا حق وليس بموجب لإخراجهم من ديارهم وطردهم من منازلهم وبلادهم هذه الجملة بيان لمقتضى الإذن لهم بالقتال ، ونصرة الله تعالى لهم. وقوله تعالى : (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ (٦) بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ) أي يدفع بأهل الحق أهل الباطل لو لا هذا لتغلب أهل الباطل و (لَهُدِّمَتْ
__________________
(١) روي أن هذه الآية : (إِنَّ اللهَ يُدافِعُ ..) نزلت بسبب أن المؤمنين بمكة لما كثر اضطهاد المشركين لهم فكر بعضهم في اغتيال الكفار ، والاحتيال عليهم والغدر بهم فأنزل الله تعالى هذه الآية إلى قوله : (كَفُورٍ).
(٢) قرأ الجمهور : (يُدافِعُ) وقرأ بعضهم : يدفع.
(٣) الخوّان : كثير الخيانة ، وهي الغدر ، والغدر من شر الصفات ، فقد صحّ (أن الله تعالى ينصب يوم القيامة للغادر لواء عند أسته بقدر غدرته : يقال هذه غدرة فلان بن فلان)!!
(٤) هذه الآية نزلت بالمدينة بعد هجرة الرسول صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين إليها وفيها إذن بقتال المشركين بعد المنع الأوّل فهي أول آية بالإذن بالقتال بعد ما كان غير مأذون فيه كما تقدم.
(٥) قوله : (إلّا أن قالوا ربنا الله ..) الاستثناء منقطع أي : لكن لقولهم ربنا الله أي : وحده لا ربّ لنا سواه استمرّت مدة السلم ثلاث عشرة سنة ، وفي السنة الأولى من الهجرة أذن الله تعالى للمؤمنين بقتال المشركين إذ قد أعذر الله تعالى إليهم.
(٦) في الآية دليل على أنّ أمر الجهاد متقدم في الأمم قبل هذه الأمّة وبه صلحت الشرائع وعبد الناس ربّهم ، واستقامت أمورهم وصلحت أحوالهم.