وقوله : (وَجاهِدُوا (١) فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ) (٢) أي أمرهم ايضا بأمر هام وهو جهاد الكفار حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله ومعنى حق جهاده أي كما ينبغي الجهاد من استفراغ الجهد والطاقة كلها نفسا ومالا ودعوة وقوله : (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) هذه منّة ذكّر بها تعالى المؤمنين حتى يشكروا الله بفعل ما أمرهم به أي لم يضيق عليكم فيما أمركم به بل وسع فجعل التوبة لكل ذنب ، وجعل الكفارة لبعض الذنوب ، ورخص للمسافر والمريض في قصر الصلاة والصيام ، ولمن لم يجد الماء أو عجز عن استعماله في التيمّم.
وقوله : (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ) (٣) أي الزموا ملة أبيكم وقوله : (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ) أي الله جل جلاله هو الذي سماهم المسلمين في الكتب السابقة وفي القرآن وهو معنى قوله : (هُوَ سَمَّاكُمُ) (٤) (الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا) أي القرآن وقوله : (لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) أي اجتباكم أيها المؤمنون لدينه الإسلامي وسماكم المسلمين ليكون الرسول شهيدا عليكم يوم القيامة بأنه قد بلغكم ما أرسل به إليكم وتكونوا أنتم شهداء حينئذ على الرسل أجمعين أنهم قد بلغوا أممهم ما أرسلوا به إليهم وعليه فاشكروا هذا الإنعام والإكرام لله تعالى (فَأَقِيمُوا (٥) الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ) أي تمسكوا بشرعه عقيدة وعبادة وخلقا وأدبا وقضاءا وحكما ، وقوله تعالى : (هُوَ مَوْلاكُمْ) أي سيدكم ومالك أمركم (فَنِعْمَ الْمَوْلى) هو سبحانه وتعالى (وَنِعْمَ النَّصِيرُ) أي الناصر لكم ما دمتم أولياءه تعيشون على الإيمان والتقوى.
__________________
(١) هذا من ذكر العام بعد الخاص ، والعبادة : الطاعة ولكن مع غاية التعظيم والحبّ للمطاع.
(٢) الجهاد هنا : قتال الكفار المعتدين والمانعين لدعوة الله وصد الناس عنها والعلّة فيه إكمال البشر وإسعادهم بالإسلام لله تعالى و (فِي) في قوله (فِي اللهِ) : تعليلية أي : لأجل الله أي : لإعلاء كلمة الله تعالى ، وفي الحديث الصحيح : (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله).
(٣) هذا كقوله تعالى : (اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ) فإنه مخصوص بالاستطاعة وقوله بعد : (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) مخصّص له أيضا ، ويدخل في الأمر بالجهاد هنا : جهاد النفس والشيطان ، وكلمة الحق عند من ينكرها لحديث (كلمة عدل عند سلطان جائر).
(٤) الملّة : الدين والشريعة ونصب : (مِلَّةَ) : بإلزموا ونحوه ، والخطاب للعرب إذ إبراهيم أبو العرب المستعربة قاطبة ، وهو أيضا أبو أهل الكتاب وأبّ كل موحد أبوّة تشريف واتباع وتعظيم.
(٥) قوله تعالى (فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) بعد ذكر المنن إشارة صريحة إلى وجوب شكر الله تعالى على نعمه ، وما شكر الله تعالى من لم يقم الصلاة ويؤت الزكاة كما أن من لم يتمسك بدين الله كافر غير شاكر.