وأولاده فبيّن تعالى أنه مع هذه العادة تبرّأ من أبيه وغلظ قلبه عليه لَما ظهر له اصراره على الكفر ، فانتم بهذا المعنى أولى.
ولذلك وصفه أيضاً بأنه حليم ، لان أحد أسباب الحكم رقة القلب وشدّة العطف لان المرء اذا كان حاله هكذا اشتدّ حلمه عند الغضب (١).
وانت خبير بان هذا الكلام انما يتم لو كان المراد التبري في الدنيا ، اذ لو كان تبريه منه في الآخرة مع استغفاره له في الدنيا حتى بعد موته لم يكن هذا ممّا يوجب امتناع المؤمنين عن الاستغفار لاقربائهم من المشركين بل كان مؤيداً لجوازه إلى غير ذلك من وجوه الفساد في هذا الكلام.
نسبة الخلاف إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
ومنها : ما أورده في كتاب التفسير عن ابن عمر قال : لمّا توفي عبد الله بن أبي ، جاء ابنه عبد الله بن عبد الله إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فسأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه أباه ، فأعطاه ثمّ سأله أن يصلي عليه ، فقام رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ليصلي عليه ، فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : يا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم تصلي عليه؟! وقد نهاك ربك أن تصلي عليه.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : إنّما خيّرني الله ، فقال : «اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ» ، وسأزيد على السبعين ، قال : انه منافق ، قال : فصلى عليه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : فأنزل الله تعالى : «وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ» (٢). (٣)
__________________
(١). التفسير الكبير للرازي ١٦ : ٢١٢.
(٢). التوبة : ٨٤.
(٣). صحيح البخاري كتاب تفسير القرآن سورة التوبة رقم ٤٦٧٠ ، ٤٦٧٢ ، كتاب الجنائز باب الكفن في القميص رقم ١٢٦٩ ، كتاب اللباس باب لبس القميص رقم ٥٧٩٦.