فأكملت أيامه ، وانقضت مدته ، إلا جعلت له وصيا ، وإني فضلتك على الأنبياء ، وفضلت وصيك على الأوصياء ، واكرمتك ، بشبليك بعده ، وسبطيك حسن وحسين ، فجعلت حسنا معدن علمي بعد انقضاء مدة أبيه ، وجعلت حسينا خازن وحيي وأكرمته بالشهادة ، وختمت له بالسعادة فهو أفضل ممن استشهد ، وأرفع الشهداء درجة ، جعلت كلمتي التامة معه ، والحجة البالغة عنده ، بعترته اثيب واعاقب، أولهم سيد العابدين ، وزين أوليائي الماضين وابنه شبيه جده المحمود محمد الباقر لعلمي والمعدن لحكمي ، سيهلك المرتابون في جعفر ، الراد عليه كالراد عليّ ، حق القول مني لاكرمن مثوى جعفر ، ولأسرنه في أشياعه وأنصاره وأوليائه وانتجبت بعده موسى وانتجبت بعده فتنة عمياء حندس (١) لان خيط فرضي لا ينقطع (٢) وحجتي لا تخفى ، وان أوليائي لا يشقون ، ألا ومن جحد واحدا منهم فقد جحد نعمتي ، ومن غير آية من كتابي فقد افترى عليّ ، وويل للمفترين الجاحدين عند انقضاء مدة عبدي موسى وحبيبي وخيرتي ، إن المكذب بالثامن مكذب بكل أوليائي ، وعليّ وليي وناصري ، ومن أضع عليه اعباء النبوة وأمنحه بالاضطلاع (٣) يقتله عفريت مستكبر يدفن بالمدينة التي بناها العبد الصالح ، إلى جنب شر خلقي حق القول مني لاقرن عينه بمحمد ابنه وخليفته من بعده ، فهو وارث علمي ، ومعدن حكمي ، وموضع سري ، وحجتي على خلقي ، جعلت الجنة مأواه (٤) وشفعته في سبعين ألفا من أهل بيته كلهم قد استوجبوا النار ؛ وأختم بالسعادة لابنه علي وليي وناصري ، والشاهد في خلقي وأميني على وحيي ، وأخرج منه الداعي إلى سبيلي والخازن لعلمي الحسن ، ثم اكمل ذلك بابنه رحمة للعالمين ، عليه كمال موسى ، وبهاء عيسى ، وصبر أيوب ، وسيذل أوليائي في زمانه ، ويتهادون رءوسهم كما يتهادون رءوس الترك والديلم ، فيقتلون ، ويحرقون ، ويكونون خائفين ، مرعوبين ، وجلين وتصبغ الأرض بدمائهم ، ويفشو الويل والرنين (٥) في نسائهم ، أولئك أوليائي حقا ، بهم أدفع كل فتنة عمياء حندس ، وبهم أكشف الزلازل ، وأدفع الآصار(٦) والاغلال أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة واولئك هم المهتدون».
قال عبد الرّحمن بن سالم : قال أبو بصير : لو لم تسمع في دهرك إلا هذا الحديث لكفاك ، فصنه
__________________
(١) حندس : الشديد الظلمة.
(٢) في كمال الدين : لان حفظه فرض لا ينقطع.
(٣) اضطلع : نهض به وقوي عليه.
(٤) في عيون الاخبار : لا يؤمن عبد به إلا جعلت الجنة مثواه.
(٥) الرنين : الصوت الحزين.
(٦) الاصر :: ـ آصار : الثقل ، الذنب.