كان جالسا ذات يوم إذ أقبل الحسن عليهالسلام فلما رآه بكى ، ثم قال : «إليّ إليّ» يا بني ، فما زال يدنيه حتى أجلسه على فخذه اليمنى. ثم أقبل الحسين عليهالسلام فلما رآه بكى ، ثم قال : «إليّ إليّ يا بنيّ» فما زال بنية» فاجلسها بين يديه ، ثم أقبل أمير المؤمنين عليهالسلام فلما رآه بكى وقال : «إليّ إليّ يا أخي» فما زال يدنيه حتى أجلسه على فخذه اليسرى. ثم أقبلت فاطمة عليهاالسلام فلما رآها بكى ، ثم قال : «إليّ إليّ يا بنية» فاجلسها بين يديه ، ثم أقبل أمير المؤمنين عليهالسلام فلما رآه بكى وقال : «إليّ إليّ يا أخي» فما زال يدنيه حتى أجلسه إلى جنبه الأيمن. فقال له أصحابه : يا رسول الله ما ترى واحدا من هؤلاء إلا بكيت أو ما فيهم من تسر برؤيته؟ فقال صلىاللهعليهوآله : «والذي بعثني بالنبوة واصطفاني على جميع البرية إني وإياهم لأكرم الخلق على الله عزوجل ، وما على وجه الأرض نسمة أحبّ إليّ منهم.
أما علي بن أبي طالب فإنه أخي ، وشقيقي ، وصاحب الأمر بعدي ، وصاحب لوائي في الدنيا والآخرة ، وصاحب شفاعتي وحوضي ، وهو مولى كل مسلم ، وإمام كلّ مؤمن ، وقائد كل تقي ، وهو وصيي ، وخليفتي على أهلي وأمتي في حياتي وبعد موتي. محبه محبي ومبغضه مبغضي ، وبولايته صارت أمتي مرحومة ، وبعداوته صارت المخالفة له منها ملعونة ، وإني بكيت حين أقبل لأني ذكرت غدر الأمة به بعدي ، حتى أنه ليزال عن مقعدي ، وقد جعله الله له بعدي ، ثم لا يزال الأمر به حتى يضرب قرنه ضربة تخضب منها لحيته في أفضل الشهور (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ) (١).
وأما ابنتي فاطمة فإنها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين ، وهي بضعة مني ، وهي نور عيني ، وهي ثمرة فؤادي ، وهي روحي التي بين جنبي ، وهي الحوراء الانسية ، متى قامت في محرابها بين يدي ربها جل جلاله زهر نورها لملائكة السماء كما تزهر نور الكواكب لأهل الأرض ، ويقول الله عزوجل لملائكته : يا ملائكتي انظروا إلى أمتي فاطمة سيدة نساء إمائي قائمة بين يدي ترتعد فرائصها من خيفتي وقد أقبلت على عبادتي (٢) اشهدكم أني قد أمنت شيعتها من النار ، وإني لما رأيتها ذكرت ما يصنع بها بعدي كأني بها وقد دخل الذل بيتها ، وانتهكت حرمتها ، وغصب حقها ، ومنعت ارثها وكسر جنبها وأسقطت جنينها وهي تنادي يا محمداه فلا تجاب ، وتستغيث فلا تغاث ، فلا تزال بعدي محزونة مكروبة باكية فتذكر انقطاع الوحي عن بيتها مرة وتتذكر فراقي أخرى ، وتستوحش إذا جنّها الليل لفقد صوتي الذي كانت تسمعه إذا تهجدت بالقرآن ، ثم ترى نفسها ذليلة بعد أن كانت في أيام أبيها عزيزة ، فعند ذلك يؤنسها الله تعالى ذكره بالملائكة فينادونها بما نادت به مريم بنت عمران فتقول : يا فاطمة (إِنَّ اللهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ
__________________
(١) البقرة : ١٨٥.
(٢) في المصدر : وقد أقبلت بقلبها على عبادتي.