فأردت أن تهجمي عليهما فنهيتك فعصيتني فهجمت عليهما ، فما لبثت أن رجعت باكية فقلت : ما شأنك ، فقلت : إني هجمت عليهما وهما يتناجيان فقلت لعلي ليس لي من رسول الله إلا يوم من تسعة أيام فما تدعني يا بن أبي طالب ويومي؟ فأقبل رسول الله صلىاللهعليهوآله عليّ وهو غضبان محمر الوجه فقال : ارجعي وراءك ، والله لا يبغضه أحد من أهل بيتي ، ولا من غيرهم من الناس إلا وهو خارج من الإيمان فرجعت نادمة ساقطة؟ فقالت عائشة : نعم ، اذكر ذلك. قالت : واذكرك أيضا كنت أنا وأنت مع رسول الله صلىاللهعليهوآله وانت تفلين (١) رأسه وأنا أحيس له حيسا وكان الحيس يعجبه فرفع رأسه وقال : ليت شعري ايتكن صاحبة الجمل الأذنب تنبحها كلاب الحوأب فتكون ناكبة عن الصراط ، فرفعت رأسي (٢) من الحيس فقلت : أعوذ بالله وبرسوله من ذلك ، ثم ضرب على ظهرك وقال : إياك أن تكونيها يا حميراء (٣) أما أنا فقد أنذرتك قالت عائشة : نعم اذكر ذلك. قالت : واذكرك أيضا كنت أنا وأنت مع رسول الله صلىاللهعليهوآله في سفر له وكان عليّ يتعاهد نعلي رسول الله صلىاللهعليهوآله فيخصفها ، ويتعاهد أثوابه فيغسلها فبقيت له نعل فأخذها يومئذ يخصفها وقعد في ظل سمرة وجاء أبوك ومعه عمر فاستأذنا عليه فقمنا الى الحجاب ودخلا يحادثاه فيما أرادا ، ثم قالا : يا رسول الله إنا لا ندري قدر ما تصحبنا ، فلو أعلمتنا من يستخلف علينا ليكون لنا بعدك مفزعا! فقال لهما أما إني قد أرى مكانه ولو فعلت لتفرقتم عنه كما تفرقت بنو اسرائيل عن هارون بن عمران فسكتا ، ثم خرجا فلما خرجنا إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله قلت له : وكنت أجرأ عليه منا ، من كنت يا رسول الله مستخلفا عليهم؟ فقال خاصف النعل ، فنظرنا فلم نر أحدا إلا عليا فقلت : يا رسول الله ما ارى إلا عليا ، فقال هو ذاك. فقالت عائشة : نعم اذكر ذلك ، قالت فأي خروج تخرجين بعد هذا؟ فقالت إنما أخرج للاصلاح بين الناس ، وأرجو فيه الأجر إن شاء الله فقالت : أنت ورأيك ، فانصرفت عائشة عنها ، وكتبت أمّ سلمة بما قالت وقيل لها الى علي (٤).
قال ابن أبي الحديد عقيب هذا الخبر : فإن قلت : فهذا نص صريح في إمامة علي عليهالسلام فما تصنع أنت وأصحابك المعتزلة به! فاجاب بجواب لا طائل تحته متكلف حمية لمذهب المعتزلة ، حمية الجاهلية. اعوذ بالله تعالى من الغواية بعد تبين الهدى.
وقد تقدم في الباب الثاني عشر من طريق العامة روايات في النص على الأئمة الاثني عشر من رسول الله صلىاللهعليهوآله بالإمامة والخلافة والوصاية تؤخذ من هناك.
__________________
(١) في المصدر : تغسلين.
(٢) في المصدر : فرفعت يدي.
(٣) في المصدر : وقال : اياك أن تكونيها ، ثم قال : يا بنت أبي امية اياك أن تكونيها ، يا حميراء ، أما أنا فقد أنذرتك.
(٤) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ٢ / ٧٧ ـ ٧٨.