على عمر في أول خلافته وقد القي له صاع من تمر على خصفة (١) فدعاني إلى الأكل فأكلت تمرة واحدة وأقبل يأكل ثم شرب من جرة (٢) كانت عنده واستلقى على مرفقة له وطفق يحمد الله يكرر ذلك ثم قال : من اين جئت يا عبد الله؟ قلت : من المسجد قال : كيف خلفت ابن عمك؟ فظننته يعني عبد الله بن جعفر ـ قلت : خلفته يلعب مع أترابه ، قال : لم أعن ذلك ، انما عنيت عظيمكم أهل البيت ، قلت : خلفته يمتح بالغرب على نخيلات من فلاة وهو يقرأ القرآن ، قال : يا عبد الله عليك دماء البدن إن كتمتنيها هل بقي في نفسه شيء من أمر الخلافة؟ قلت : نعم ، قال : أيزعم أن رسول الله صلىاللهعليهوآله نص عليه؟ قلت : نعم ، وأزيدك ، سألت أبي عما يدعيه ، فقال : صدقت ؛ فقال عمر : لقد كان رسول الله صلىاللهعليهوآله في أمره ذرّ ، ومن قول لا يثبت حجة ، ولا يقطع عذرا ، ولقد كان يربع في أمره وقتا ما ، ولقد أراد في مرضه أن يصرح باسمه فمنعت من ذلك إشفاقا وحيطة على الإسلام ، لا ورب هذه البنية لا تجتمع عليه قريش ابدا ، ولو وليها لا نقضت عليه العرب من أقطارها ، فعلم رسول الله صلىاللهعليهوآله أني علمت ما في نفسه فأمسك وأبى الله إلا إمضاء ما حتم (٣). ذكر هذا الخبر أحمد بن أبي طاهر صاحب كتاب «تاريخ بغداد» في كتابه مسندا (٤).
التاسع والعشرون : ابن أبي الحديد في الشرح قال أبو مخنف : جاءت عائشة إلى أمّ سلمة تخادعها على الخروج للطلب بدم عثمان فقالت لها : يا بنت أبي امية ، أنت أول مهاجرة من أزواج رسول اللهصلىاللهعليهوآله وأنت كبيرة امهات المؤمنين ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوآله يقسم لنا من بيتك وكان جبرائيل أكثر ما يكون في منزلك ، فقالت أمّ سلمة : لأمر ما قلت هذه المقالة؟ فقالت عائشة : إن عبد الله أخبرني أن القوم استتابوا عثمان فلما تاب قتلوه صائما في شهر حرام ، وقد عزمت على الخروج إلى البصرة ومعي الزبير وطلحة فاخرجي معنا لعل الله أن يصلح هذا الأمر على ايدينا وبنا ، فقالت لها أمّ سلمة : إنك كنت بالأمس تحرضين على عثمان وتقولين فيه أخبث القول وما كان اسمه عندك الا نعثلا ، وإنك لتعرفين منزلة علي بن أبي طالب عند رسول الله صلىاللهعليهوآله أفاذكرك؟ قالت : نعم قالت : أتذكرين يوم أقبلعليهالسلام ونحن معه حتى إذا هبط من قديد ذات الشمال خلا بعلي يناجيه فأطال ،
__________________
(١) الخصفة : القفة تعمل من الخوص للتمر ونحوه.
(٢) الجرة : اناء من خزف له بطن كبير وعروتان وفم واسع.
(٣) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ٣ / ٩٧.
(٤) أحمد بن طيفور أبو الفضل بن أبي طاهر المروزي ، محدث. شاعر. ولد ببغداد سنة ٢٠٤ ه وتوفي بها عام ٢٨٠ ه ، له تأليف كثيرة ومنها : «تاريخ بغداد في أخبار الخلفاء والامراء وأيامهم» توجد ترجمته في : الوافي بالوفيات : ٧ : ٨ ـ ١٠ ، تاريخ الخطيب البغدادي : ٤ / ٢١١ ، الفهرست لابن النديم ١ / ١٤٦ ، معجم الادباء : ٣ / ٨٧ ـ ٩٨ ، الاعلام : ١ / ١٣٨.