حاجة ثم قال : اسقهم ، فجئتهم بذلك العس ، فشربوا منه جميعا ، حتى رووا ثم تكلم رسول اللهصلىاللهعليهوآله ثم قال : يا بني عبد المطلب ، إني والله ما أعلم أن شابا في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به ، إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة ، وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه ، فايكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم؟ قال : فأحجم القوم عنها جميعا ، وقلت : أنا ، وإني لأحدثهم سنا ، وأرمصهم (١) عينا ، وأعظمهم بطنا ، وأحمشهم ساقا (٢) قلت : انا يا نبي الله ، أكون وزيرك عليه [فاعاد القول فامسكوا واعود ما قلت] فأخذ برقبتي ، ثم قال : إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له واطيعوا. فقام القوم يضحكون ، ويقولون لأبي طالب : قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع» (٣).
قال ابن أبي الحديد عقيب ذلك : ويدل على أنه وزير رسول الله صلىاللهعليهوآله من نص الكتاب والسنة قول الله تعالى : (وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) (٤) وقال النبي صلىاللهعليهوآله ـ في الخبر المجمع على روايته بين سائر فرق الإسلام ـ أنت مني منزلة هارون من موسى إلّا أنه لا نبي بعدي. فأثبت له جميع مراتب هارون [ومنازله] من موسى ، فإذا هو وزير رسول الله ، وشاد أزره ولو لا أنه خاتم النبيين لكان شريكا في أمره. ثم قال : وروى أبو جعفر الطبري أيضا في التاريخ : أن رجلا قال لعلي عليهالسلام : يا أمير المؤمنين بم ورثت ابن عمك دون عمّك فقال علي عليهالسلام : هاؤم ثلاث مرات حتى اشرأبّ الناس ونشروا آذانهم ثم قال : «جمع رسول الله بني عبد المطلب بمكة وهم رهط كلّهم يأكل الجذعة ويشرب الفرق فصنع مدا من طعام حتى أكلوا وشبعوا وبقي الطعام كما هو كأنه لم يمس ثم دعا بغمر فشربوا ورووا وبقي الشراب كأنه لم يشرب ، ثم قال : يا بني عبد المطلب إني بعثت إليكم خاصة وإلى الناس عامة فأيّكم يبايعني على أن يكون أخي وصاحبي ووارثي؟ فلم يقم إليه أحد ، فقمت إليه ، وكنت من اصغر القوم فقال : اجلس ، ثم قال ذلك ثلاث مرات ، كل ذلك اقوم إليه فيقول: اجلس ، حتى كان في الثالثة فضرب بيده على يدي ، فبذلك ورثت ابن عمي دون عمي» (٥) انتهى كلام ابن أبي الحديد (٦).
الثامن والعشرون : ابن أبي الحديد في هذا الشرح ، عن ابن عباس ـ رحمهالله ـ قال : دخلت
__________________
(١) الرمص في العين كالغمص ، وهو قذى تلفظ به ، وهو كناية عن صغر سنه.
(٢) حمس الساقين : دقيقها.
(٣) تاريخ الطبري : ٢ / ٣١٩ ـ ٣٢١ ط ـ دار المعارف بمصر تفسير الطبري : ١٩ / ٧٤ ـ ٧٥ ط ـ بولاق.
(٤) طه : ٢٩.
(٥) تاريخ الطبري : ٢ / ٣٢ ط ـ دار المعارف بمصر.
(٦) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ٣ / ٣٥٤ ـ ٣٥٥ ط ـ دار الكتب العربية ـ مصر.