وذكر أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة خبر يوم الغدير وأفرد له كتابا ، وطرقه من مائة وخمسة طريق. هذا وقد تجاوز حد التواتر فلا يوجد خبر قط نقل من طرق بقدر هذه الطرق ، فيجب أن يكون أصلا متبعا ، وطريقا مهيعا.
والدليل على ما ذكرناه ـ أنه لم يوجد خبر له طرق كخبر غدير خم ـ ما حكاه السيد العلامة علي ابن موسى بن طاوس وعلي بن محمد بن شهرآشوب ذكرا عن شهرآشوب قال : سمعت أبا المعالي الجويني يتعجب ويقول : شاهدت مجلدا ببغداد في يدي صحاف فيه روايات غدير خم مكتوبا عليه المجلدة الثامنة والعشرون من طرق قوله : «من كنت مولاه فعلي مولاه» ويتلوه في المجلدة التاسعة والعشرين (١).
حكاية لطيفة : ذكر ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة قال : حدثني يحيى بن سعيد بن علي الحنبلي المعروف بابن غالية (٢) من ساكني قطفيا بالجانب الغربي ببغداد وأحد الشهود المعدلين بها قال : كنت حاضرا عند الفخر إسماعيل بن علي الحنبلي الفقيه المعروف بغلام ابن المثنى ، وكان الفخر إسماعيل(٣) هذا مقدّم الحنابلة ببغداد في الفقه والخلاف ، ويشتغل بشيء في علم المنطق ، وكان حلو العبارة ، وقد رأيته أنا وحضرت عنده وسمعت كلامه ، توفي سنة عشرة وستمائة قال ابن غالية : ونحن عنده نتحدث ، إذ دخل شخص من الحنابلة قد كان له دين على بعض أهل الكوفة فانحدر إليه يطالبه به فاتفق أن حضرت (٤) زيارة يوم الغدير والحنبلي المذكور في الكوفة ، وهذه الزيارة وهي اليوم الثامن عشر من ذي الحجة ويجتمع بمشهد أمير المؤمنين عليهالسلام من الخلائق جموع عظيمة تتجاوز حد الاحصاء قال ابن غالية : فجعل الشيخ الفخر يسأل ذلك الشخص : ما رأيت؟ هل وصل مالك إليك؟ هل بقي لك منه بقية عند غريمك؟ وذلك الشخص يجاوبه حتى قال : يا سيدي لو شاهدت يوم الزيارة يوم الغدير لرأيت ما يجري عند قبر علي بن أبي طالب من الفضائح والأقوال الشنيعة وسب الصحابة جهارا باصوات مرتفعة، من غير مراقبة ولا خيفة.
فقال إسماعيل : أي ذنب لهم ، والله ما جرأهم على ذلك ، ولا فتح لهم هذا الباب إلا صاحب هذا القبر ، فقال ذلك الشخص : ومن هو صاحب القبر؟ قال : علي بن أبي طالب قال : يا سيدي هو الذي
__________________
(١) ذكر هذه الحكاية القندوزي في ينابيع المودة ص ٣٦ وقال : حكى العلامة علي بن موسى وعلي بن محمد أبي المعالي الجويني الملقب بامام الحرمين استاذ أبي حامد الغزالي رحمهماالله ...
(٢) في المصدر : عالية.
(٣) في المصدر : إسماعيل بن علي.
(٤) في المصدر : واتفق أن حضره.