المسفوح ويطلق عليها اسم الدم المتخلّف ، ولا يحرم منها إلّا ما ثبتت حرمته بدليل. فالميتة والدم المسفوح من العروق حرام (أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ) نجس قذر وحرام (أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) أي ما ذبح دون تذكية ولم يذكر اسم الله عليه فسقا أي خلافا لأمره تعالى كالذي يذبح على الصنم لتوغّله في الفسق والتعدي على أمر الله. فهذه كلّها محرّمات ، نعم استثنى حالة واحدة مشروطة بشروط وقال : (فَمَنِ اضْطُرَّ) في يوم مجاعة مثلا ، أو ألجأه الاضطرار إلى أكل محرّم من اللحوم من غير طلب لذة (غَيْرَ باغٍ) أي عن غير بغي (وَلا عادٍ) وغير تعدّ على حدود الله سبحانه ولا وصل إلى حد الضرورة. فإن وصلت الضرورة إلى أحد الحدّين جاز له أكل شيء من المحرّم بمقدار سدّ الرّمق لوجوب حفظ الحياة مهما أمكن ، لأن الله عزوجل رخّص بأكله في تلك الحالة (فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) يعفو عن مثل هذه الأمور الاضطرارية ولا يؤاخذ العباد لشدة رحمته بهم.
فإن قيل : لم خصّ الله تعالى هذه الأشياء الأربعة هنا بالذكر والتحريم ، مع أن غيرها محرّم أيضا ، بدليل أنه سبحانه ذكر في المائدة تحريم المنخنقة والموقوذة والمتردّية والنّطيحة وغيرها ، بل وردت الأخبار الصحيحة بتحريم كل ذي مخلب من الطير ، وكل ذي ناب من الوحش ، وكل ما لا قشر له من السمك ، إلى غير ذلك؟. قلنا : أما المذكورات في المائدة فكّلها يقع عليها اسم الميتة ويشملها التحريم هنا بهذا العنوان ، فكأنها ذكرت هنا مع حكمها ، فأجمل هنا وفصّل هناك. وأما غيرها فليس بهذا الحد من الحرمة ، فخصّ هذه الأشياء بالتحريم والذكر تعظيما لحرمتها ، وهو تعالى فوّض تحريم ما عداها إلى رسوله صلىاللهعليهوآله. وفي هذا المقام كلام مفصّل في التفاسير ومن شاء فليراجعه هناك. وبالمناسبة نذكر بيانا ذكره صاحب التهذيب رحمهالله وهو أنه ليس الحرام إلا ما حرّم الله في كتابه. والمعنى أنه ليس الحرام المخصوص المغلّظ الشديد إلّا ما ذكره الله في القرآن وإن كان ما عداه أيضا من المحرّمات