وأنزلنا عليك سور القرآن وآيات الوحي مكتوبة في قرطاس : أي ورق ، كما اقترحوا عليك (فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ) يعني تحسّسوا الورق وأمسكوه بأيديهم ، وقد ذكر الأيدي للتأكيد ولأن اللمس غالبا ما يكون بالأيدي ، وقد قال سبحانه : لمسوه ، ولم يقل : عاينوه ، لأن اللمس أبلغ في نفي الرّيب والشك. ولذلك ترى الذي يشاهد السحر يحاول أن يمسك الشيء المسحور ويلمسه بيده ليتأكد مما يراه بعينه. فلو أن هؤلاء المنكرين لمسوا القرطاس الذي ننزّله عليك مكتوبا من عندنا (لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) عنادا وتعنتا : (إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) مؤكّدين أنه سحر ، لقسوة قلوبهم وشدة كفرهم.
٨ ـ (وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ ...) أي : هلّا نزل عليه : على محمد صلىاللهعليهوآله ، ملك من الملائكة نعاينه ونراه ، ويصدّق على أقوال محمد ، فنصدّقه في مدّعاه؟. وقد أجابهم الله سبحانه : (وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ) يعني لو نزّلنا الملك كما طلبوا لقضي الأمر بهلاكهم على يد ذلك الملك الذي نرسله بعد أن كفروا برسالة رسولنا. فإن سنّة الله جرت بذلك من إهلاك من سبقهم على يد ملك من عندنا تقتضي حكمتنا إنزاله على المنكرين. فلو شئنا إجابة طلبهم وأرسلنا ملكا من عندنا لقضينا بعذابهم (ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ) أي لا يمهلون ولا يرفق بهم طرفة عين.
٩ ـ (وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً ...) أي لو جعلنا الرسول ملكا يعاين ويرى ويتكلم معه لجعلناه رجلا : مثّلناه بصورة رجل ليكون من جنسكم كما مثّلنا جبرائيل عليهالسلام بصورة دحية الكلبي ، أي الرجل المحبوب الصورة للنبيّ صلىاللهعليهوآله ، لأن الملك لا تشاهده حواسّ البشر إذ هو مخلوق روحاني غير مادي ، ومهما زيد في حواسّ الناس فإنهم سيرونه رجلا ممثّلا بالصورة البشرية فلا يغني هذا التمثيل شيئا لأنه لا يرى بصورته الملكية (وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ) أي أن الأمر يلتبس عليهم ويظنون الملك رجلا مثلهم ، فيبقى الإشكال قائما