من يعاندك : من هو المالك لما في السماوات والأرض؟. فإن هذا السؤال سؤال تعجيز للمسؤول ولا بد له بالإقرار عن المسؤول عنه وقول الحق الذي هو ظاهر غاية الظهور ، وهو ما علّمه الله لنبيّه بقوله عزوجل : (قُلْ لِلَّهِ) وهو تقرير لا مفرّ منه ولا جواب غيره لدى الجن والإنس ولا محيد عنه ، وهو سبحانه الذي (كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) أي اللطف بعباده والرأفة بهم في دار الدنيا ، وذلك بأن نصب لهم الدلائل وأقام الحجج الدالة على وحدانيته وربوبيّته ليوحّده ويعبدوه ولا يشركوا به شيئا ، وإنه (لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) قرنا بعد قرن يأخذكم ويجمعكم ليوم الحساب. واللام لام القسم ، وإلى : بمعنى : في ، فو الله إن موعدكم في يوم القيامة. ونحن نقول : إن : إلى ، هنا لإنشاء الغاية فيما له استمرار ، فإن اجتماع الأمم يكون بمرور الأيام ، ثم يمكن أن يحصل بغتة لأنه رهن بإرادة قادر مطلق. فكأنه سبحانه قد أراد أن يقول : إن العباد منذ خلقوا لا زالوا في مسيرة للتجمع إلى يوم القيامة ، ونحن لسنا غافلين عنهم في سائر عوالمهم وفي عالم حشرهم. ويوم القيامة (لا رَيْبَ فِيهِ) ولا شك ، وهذا تأكيد لحصوله وتوعد للغافلين عنه (الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) وضيّعوها بأن ضلّوا فأهلكوها في عذاب يومئذ (فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) لا يصدّقون لأنهم مغمورون بالضلالة تائهون في الجهالة قد استحال عليهم أن يتنسّموا روح الإيمان.
١٣ ـ (وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ ...) أي لله جلّ وعلا ما سكن : هدأ في الليل ، وتحرّك في النهار. وقد اكتفى بإيراد الفعل : سكن ، فقط ، للبلاغة في القول. فهو سبحانه مالك السماوات والأرض وما فيهن طرّا ، ما سكن وما تحرّك (وَهُوَ السَّمِيعُ) العظيم السمع (الْعَلِيمُ) العارف أشد المعرفة بكل ما يملكه بحذافيره ، يسمع ويحس الحركات ، ويعلم ويدرك ما يجري في السّكنات ، ولا يشغله صوت عن صوت ولا شيء عن شيء ، يسمع تسبيح الأشياء التي لا نفقه تسبيحها ، ويعلم وساوس الصدور التي نظنّها ساكنة هادئة ، ولا تخفى عليه خافية