جميعا على هذا الشكل على غير ميعاد ضربتموه حيث كنتم تسيرون في الرمل مع قلّة في الماء وقلّة في العدد ، وحيث كان عدوّكم أكثر منكم وأوفر عدة ، ينزلون قرب الماء ، ومع ذلك كلّه نصركم عليهم لتعلموا أن النصر من عنده سبحانه وتعالى (وَلَوْ تَواعَدْتُمْ) أي اتّفقتم على موعد تلتقون فيه على هذا الشكل بالذات (لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ) أي لتأخّرتم عن لقائهم لقلّتكم وكثرتهم ، ولحسن موقعهم الحربي وسوء منزلكم على شفير الوادي الأسفل (وَلكِنْ) فعل الله ذلك (لِيَقْضِيَ اللهُ) سبحانه ويمضي (أَمْراً) من عنده (كانَ مَفْعُولاً) كائنا بلا ريب ، وصائرا لا محالة وهو إعزاز الدين والرسول والمؤمنين ، وإذلال الشّرك والكافرين ، إذ لا محالة من إظهار الإسلام وإعلاء كلمته (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ) أي يموت من مات (من الكافرين عن بينة أي عن حجة ظاهرة بما رأى من المعجزات التي قام بها النبيّ صلىاللهعليهوآله (وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ) ويعيش من بقي على قيد الحياة بعد قيام تلك الحجج عليه. ولا يهلك إلّا من ضلّ عن الحق بعد قيام الحجة ، ولا يحيا إلّا من اهتدى للحق ، فيكون بقاء المؤمن حياة له (وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ) لأقوالهم (عَلِيمٌ) بما في ضمائرهم.
٤٣ ـ (إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً ...) أي : واذكر يا محمد إذ يريك ربّك في المنام أن المشركين الذين قاتلوك وقاتلوا المسلمين معك قليلو العدد. والعامل في : إذ ، هو ما تقدّم ذكره ، والتقدير : أتاكم النّصر إذ كنتم بشفير الوادي إذ يريكهم الله قليلا. وقيل إن عامل : إذ ، محذوف وتقديره : اذكر يا محمد إذ (وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ) فقد أراكهم قليلين لتخبر المؤمنين فيتشجّعوا على قتالهم ، ولو أراك إياهم كثيرين لجبنتم عن قتالهم ، ولاختلفتم في الأمر فيقول بعضكم : نقاتل ، ويقول بعض : لا نقاتل. (وَلكِنَّ اللهَ سَلَّمَ) المؤمنين من الفشل والنزاع والاختلاف ولطف بهم وأحسن إليهم فبلغوا ما أرادوه (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) أي : عارف بما في قلوبهم ، يعلم أنكم لو عرفتم كثرة عدوكم