لامتنعتم عن القتال. ولا يخفى على الحاذق أن رؤيا النبيّ صلىاللهعليهوآله ليست كرؤيا عامة الناس تصوّرا يتوهّم معه الرؤية في اليقظة ، لأنه لا يكون إدراكا ولا علما ، ولا يكون تعبيره بالعكس كمن يفسّر رؤيا البكاء في المنام بالضحك في اليقظة ، أجل لا يخفى أن ذلك لا يجوز فعله على الله سبحانه مع نبيّه فرؤياه جلّ وعلا ذات تعبير صادق لا كبقية الرؤيا.
٤٤ ـ (وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً ...) كم : ضمير يكنّي عن المؤمنين ، لأن الخطاب هنا موجّه لهم. والضمير : هم يكنّي عن المشركين. ففي الآية السابقة كانت رؤية النبيّ صلىاللهعليهوآله في المنام ورؤيا الأنبياء لا تكون إلّا حقّا ، وفي هذه الآية الشريفة أضاف سبحانه الرؤية للمؤمنين في حال اليقظة ، فقلّل المشركين بنظر المؤمنين فزاد من جرأتهم على قتالهم (وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ) أي يريهم إياكم قليلي العدد كي لا يكترثوا بقتالكم ولا يأخذوا الأهبة التامة لحربكم. فقد روي عن ابن مسعود أنه قال : قلت لرجل بجنبي : أتراهم سبعين رجلا؟ فقال : هم قريب من مائة. كما أنه روي أن أبا جهل كان يقول لأصحابه : خذوهم بالأيدي أخذا ولا تقاتلوهم. وقد فعل الله تعالى هذه المعجزة بأسباب منعت الرؤية الواقعية كالغبار الذي أثارته الريح وغيره فتخيّل كلّ فريق أن خصومه قليلين (لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً) مرّ تفسيره ، وقد كرّره سبحانه لزيادة الفائدة ، مع العلم أن المعنى في الآية السابقة أن جمعكم كان من غير ميعاد لتلتقوا على الشكل الذي حصل ، وهنا قلّل هؤلاء وهؤلاء لقضائه بإعزاز الدين بجهاد المسلمين وخذلان الكافرين (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) مرّ تفسيره.
* * *
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٤٥)