بِأَنْفُسِهِمْ) أي يتحوّلوا عمّا هم عليه. والتغيير هو تصيير الشيء على خلاف ما كان عليه ، وذلك بأن يستبدلوا الطاعة بالمعصية ، وكفران النعمة بشكرها ، فيسلبها منهم على وجه المصلحة لا على سبيل الاقتصاص إلا عمّن استحق ذلك بطغيان. و : لم يك ، أصلها : لم يكن ، من يكون. فحذفت الواو للجزم ثم حذفت النون استخفافا إذ لا يقع بحذفها إخلال بالمعنى. وكان ويكون أمّ الأفعال. ألا ترى أن شرب في معناها : كان شرب ، ويشرب معناه : يكون : شرب. ولا يجوز هذا الحذف في غير : يكون ، ك : لم يحن فإنه لا يقال : لم يح وهلمّ جرّا ... (وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) يسمع أقوال الكفار ويعلم ما بضمائرهم من المكر والكيد لرسالة نبيّه (ص).
٥٤ ـ (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ...) أي أن عادة هؤلاء الكفار وطريقتهم كعادة آل فرعون ومن سبقهم من المنافقين الذين (كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ) أي بحججه وبراهينه البيّنة (فَأَهْلَكْناهُمْ) استأصلناهم وأبدناهم «ب» سبب ما ارتكبوه من (بِذُنُوبِهِمْ) ومعاصيهم (وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ) في البحر (وَكُلٌّ كانُوا ظالِمِينَ) أي أن جميع من أهلكناهم على هذا الشكل كانوا ظالمين لأنفسهم فاستحقوا الإهلاك.
أما تكرير قوله سبحانه : (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ) ، فإنه أراد بالأول أن يبيّن حالهم التي كانوا عليها فاستحقّوا بها العذاب ، وأراد بالثاني أن يبيّن استحقاقهم لعذاب الدنيا قبل عذاب الآخرة ، وليبيّن ـ بالأخير ـ مشاركة كفار مكة للكفار السابقين في جميع أحوالهم.
* * *
(إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٥٥) الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ