فرد ـ وقيل قصد بها الأشهر التي عنتها الآية الشريفة من يوم النحر حتى آخر المحرّم فأمهلهم خمسين يوما ، وقيل : بل هي : عشرون من ذي الحجة والمحرّم وصفر ، وشهر ربيع الأول وعشرة من ربيع الثاني ، وبعدها (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ) وضعوا السيف فيهم (حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) في أي مكان من الحلّ والحرم وفي الأشهر الحرم وغيرها. وهذا معناه نسخ لكل آية وردت في مهادنة المشركين ، فاقتلوهم أيها المؤمنون (وَخُذُوهُمْ) بالعنف والقتل (وَاحْصُرُوهُمْ) أي احبسوهم واسترقّوهم وامنعوهم دخول مكة والتصرف في سائر بلاد الإسلام (وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ) أي ارصدوهم في كل طريق وبكل مكان تحتملون مرورهم فيه ، وسدّوا عليهم الطّرق لقتلهم أو أسرهم (فَإِنْ تابُوا) أي رجعوا عن الكفر وندموا وانقادوا للدّين (وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ) أي رضوا وقبلوا بذلك وعملوه (فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ) أطلقوهم يتصرّفون كأحدكم في البلاد المسلمة ، لهم ما لكم وعليهم ما عليكم. وقيل : دعوهم يحجّوا البيت (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) يعفو عمّا سلف ويرحم عباده. واستدلّوا بهذه الآية على أن تارك الصلاة عمدا يجب قتله ، لأنه تعالى أوجب الامتناع عن قتل المشركين إذا تابوا وأقاموا الصلاة ، وإذا لم يقيموها وجب قتلهم.
٦ ـ (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ ...) أي إذا طلب منك يا محمد أحد من المشركين أمانا من القتل وأن تجيره منه وتحفظه في جوارك (فَأَجِرْهُ) فأمّنه (حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ) فيصغي لدعوتك ويتدبّر آيات القرآن الكريم ، لأن كلام الله فيه الأدلّة القاطعة ، واحفظه في كنفك حتى يتيسّر له ذلك (ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ) أي أوصله إلى حيث يأمن عند قومه ، فإذا أسلم يكون قد نال خير الدارين ، وإذا أصرّ على كفره فلا تغدر به ولا تقتله وليكن آمنا على نفسه وماله (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ) يعني أن هذا الأمان منحناهم إياه بسبب أنهم قوم لا يعلمون الإيمان ولا يفقهون الدلائل ، فخذهم بحلمك عسى أن يتدبّروا ويعلموا.
* * *