٤٩ ـ (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي ...) أي : ومن المنافقين من يقول لك يا محمد : ائذن لي في البقاء وعدم الخروج والجهاد ولا تفتنيّ بالإغراء وغنيمة النساء والأموال. والذي قال ذلك للنبيّ (ص) هو جدّ بن قيس ، ذلك أن رسول الله (ص) قيل إنه قال حين الاستنفار لوقعة تبوك : انفروا لعلّكم تغنمون بنات الأصفر ، أي بنات الروم الجميلات اللواتي أخذن من بياض الروم وسواد الحبشة فكنّ صفرا لعسا فاتنات. فقام جد وقال للنبيّ (ص) : ائذن لي ولا تفتنيّ ببنات الأصفر فإني أخاف أن أفتتن بهنّ. فكأنه قال بوقاحة : لا توقعني في الفتنة بالنساء أو الإثم بمعصية أمرك فائذن لي بالبقاء (أَلا فِي الْفِتْنَةِ) أي العصيان والضلال عن الدين (سَقَطُوا) أي وقعوا بمخالفتهم أمرك حين انتحلوا الأعذار الواهية. أمّا إذا كانوا قد اعتذروا بالحرّ فقد أوقعوا أنفسهم في نار جهنّم التي هي أشدّ حرّا (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ) أي أنها يوم القيامة ستكون محيطة بهم من جميع الجهات فلا يجدون عنها مصرفا.
٥٠ ـ (إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ ...) يعني يا محمد إن هؤلاء المنافقين إذا نالتك نعمة من ربّك أو أصابك نصر أو فتح أو غنيمة يصيبهم السوء والحزن (وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ) أي إذا نزلت بك نكبة أو أصابتك شدّة أو خسارة في المال أو آفة في النفس (يَقُولُوا) في أنفسهم (قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا) أي احتطنا وأخذنا حذرنا (مِنْ قَبْلُ) فاحترزنا سابقا لما حدث ، فسلمنا من الهلاك أو من الوقوع ممّا وقعت فيه (وَيَتَوَلَّوْا) ينصرفون إلى بيوتهم (وَهُمْ فَرِحُونَ) مستأنسون بما أصاب المسلمين ونجوا هم منه.
٥١ ـ (قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللهُ لَنا ...) أي : قل يا محمد لهؤلاء المنافقين : إن كل ما يصيبنا من خير أو شرّ فهو ممّا قدّره الله سبحانه ، في سابق علمه وأثبته في اللوح المحفوظ ، ولم يقع شيء من ذلك بسبب سوء تدبير أو قلة تبصّر أو إهمال. وقيل معناه أنه لن يصيبنا في عاقبة أمرنا إلّا ما كتب الله لنا من النّصر والظّفر ، أو من القتل والشهادة ، فننال إحدى الحسنيين ، فالله (هُوَ مَوْلانا) أي وليّ أمرنا ومالكنا وحافظنا المسؤول عنّا ،